أوباما، تفضّل إلى لبنان

تتزامن زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للشرق الأوسط مع مطلع فصل الربيع. يهللون له في اسرائيل لأنه يأتيهم كأنه مجرد سائح. بيد أن رحلته تذكر أبناء المنطقة بالفشل الأميركي المزمن في التعامل مع تطلعاتهم المشروعة الى حياة كريمة. يستحق لبنان – المحاصر جغرافياً بالديكتاتوريات والتطرف والعدوان – أن يكون واحدة من محطات الأمل لسيد البيت الأبيض.

يعم الفرح اسرائيل التي "تتألق" أمام عدسات أكثر من 500 صحافي يغطّون رحلة أوباما. تتحوّل الأنظار قليلاً عن احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية. يمكن أياً كان أن يتخيل الإبتسامات العريضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يتلقى التهنئة بتشكيلة الحكومة الجديدة من "الصديق" اللدود. سيرى أوباما بطارية من نظام "القبة الحديد" التي تساهم الولايات المتحدة في تمويلها وتطويرها. إذا حدثهم عن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لن تفارق أذنه كلمة ايران وخطر برنامجها النووي. سيحدثونه طويلاً عن "وحوش" التطرف والإرهاب الذين يحيطون بـ"جنّة" الحرية والديموقراطية. هو في أي حال طمأنهم سلفاً الى أنه لا يحمل أي خطة أميركية لتطبيق حل الدولتين. تنفسوا الصعداء.

في الذكرى السنوية العاشرة لقرار الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن غزو العراق، يحاول نتنياهو اقناع أوباما بارتكاب الخطأ الفادح ذاته مع ايران.

لا بد أن الرئيس أوباما قرأ مقالة "إذا حصلت انتفاضة ثالثة، نريد أن نكون البادئين بها" على غلاف (عدد أمس الأحد) من المجلة التي تصدرها صحيفة "النيويورك تايمس". يروي الصحافي بن اهرينريتش نضال آل التميمي في قرية النبي صالح بالضفة الغربية لاستعادة الوصول الى نبع مياه سرقه المستوطنون. تسبب الإحتجاجات السلمية لأفراد الأسرة وأهالي البلدة صداعاً دائماً للإسرائيليين على غرار ما يحصل في قرية بلعين (ومثلها نعلين) التي وثق عماد برناط وغي دافيدي في فيلم "خمس كاميرات محطمة" بعض وقائع مأساة جدار الفصل فيها ضد الشعب الفلسطيني.

تقيم الحقيقة على الجانب الآخر في مكان آخر غير رام الله، حيث يرفع الرئيس الأميركي العتب بلقائه الرئيس محمود عباس. الأحرى به أن يزور قريتي النبي صالح وبلعين. لا ضير حتى في زيارة مستوطنتين قريبتين ليدرك أن ما يدور في هذه الأرض يمكن أن يوصف بأنه شكل غير تقليدي من "الحرب الأهلية الفلسطينية – الإسرائيلية".

تهب في العالم العربي رياح تغيير عاتية تقصف أعمار حكام وأعمدة قصور. تراه الولايات المتحدة ربيعاً. تحدق بلبنان أخطار جسيمة، تبدأ بعدوانية عنصرية متمادية من اسرائيل، ولا تنتهي بصعود التطرف والإرهاب في ظل بطش يفوق الخيال من نظام ديكتاتوري يتحكم بسوريا (ولبنان) منذ عقود. يقال إن الآتي أعظم.

على رغم كل علاته الراهنة، يحتاج لبنان الى أن يبقى نموذجاً للتعدد والحرية. حتى لو لم تكن في يد أوباما حيلة، ما الذي يمنع هذا "السائح الأميركي" من التفضل بزيارة هذا البلد الجميل؟

السابق
الإشتراكي يُهاجم القوات..
التالي
 النأي عن الإنتحار!