أودية الجنوب: مسرح عريق لمواقف تاريخية وحروب وتنمية وسياحة

للأدوية في الجنوب اللبناني قصة طويلة مع الحروب والإنماء والسياحة والخصوبة. منها أحواض خصبة، ومنها مجازات استرايتيجية، مرفوع مجاري أنهر ومنها مكبات نفايات، ومنها ممرات تجمع بين مناطق وأخرى… وللأودية في القطاعين الشرقي والأوسط قصص طويلة عريضة مع الحروب، ونقيضتها السياحة ففي جبل عامل الذي يحتضن وادي السلوقي ووادي الحجير؛ تُروى ملاحم وبطولات سطرتها المقاومة في فترة الاحتلال الإسرائيلي. وقبلها في فترة الانتداب الفرنسي حيث عقد مؤتمر وادي الحجير الشهير. وصدرت عنه قرارات مصيرية وطنية تمخضت بإعلان الجهاد وإطلاق مشروع المقاومة ضد الانتداب الفرنسي. وقصة الثائر الوطني أدهم خنجر ولجوئه إلى جبل الدروز للانضمام إلى ثورة سلطان باشا الأطرش فيما عرف بالثورة السورية الكبرى ووادي الحجير يروي ملحمة التصدي لعملية الإنزال الإسرائيلية في حزب تموز 2006. وتدمير المقاومة معظم آليات الاحتلال الإسرائيلي وإلحاق أكبر الخسائر في العديد والعتاد…

وادي السلوقي
ووادي السلوقي الذي هو امتداد لوادي الحجير والمعروف باسم وادي الشهداء؛ شهد معارك ضارية ومواجهات عنيفة قبل التحرير مع الاحتلال الإسرائيلي؛ واليوم تحول إلى وادٍ سياحي جميل تكتنف حناياه المطاعم والمنتزهات والمنشآت السياحية. ووادي الخردلي على الليطاني له قصة مع الإنماء من جهة؛ والمخاطر والمآسي من جهة أخرى على أكواع الخردلي، من حوادث السير التي دمرت السيارات وقتلت الناس. وقصة سد الخردلي على الليطاني معروفة منذ أيام المرحوم الرئيس كميل شمعون؛ والرئيس كامل الأسعد. والخلاف حول منسوبه لإرواء أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الزراعية؛ واليوم صار اسمه مشروع الرئيس بري الذي حسم أمره، حيث تشوبه بعض الإشكالات التقنية للبدء بتنفيذه.
أما وادي الخيام المعروف بوطى الخيام فهو وادٍ خصب فيه سهول تشمل زراعات صيفية وشتوية ازدهرت بعد التحرير بواسطة رجال أعمال زراعيين استثمروا معظم مساحاته. ووادي خنساء على أقدام العرقوب، فهو وادٍ خصب أيضاً ومأهول. ويشتهر بزراعة البطيخ والحبوب والخضار؛ واليوم غرست فيه ألوف نصوب الزيتون التي جمّلت منظره وحمّلت أهله خسائر جسيمة في مرحلة العواصف والرياح العاتية هذا الموسم، مما استدعى مزارعيه إلى طلب النجدة والاستغاثة للتعويض عليهم…

وادي شبعا
أما وادي شبعا الذي يجمع بين العرقوب الأعلى – شبعا – والعرقوب الأسفل – الهبارية، ففي جنباته بساتين الكرز والخوخ والتفاح. وأثيرت حوله عدة احتمالات في الماضي لإقامة سد لاحتواء مياه نهر شبعا. ولكن التحذيرات الدولية حالت دون ذلك بسبب الحظر الإسرائيلي على إقامة السدود على الحدود الجنوبية لمنع تدفق المياه إلى سهل الحولة. وهذه قمة التدخلات السافرة والخروقات التي لا مبرر لها. أما وادي أبو قمحة الذي يزدهر ربيعاً بالنزهات والجلسات العائلية المريحة. فهو سعيد ربيعاً. كئيب صيفاً.. ومنسي شتاءً؛ لولا كونه معبراً من منطقة حاصبيا إلى منطقة العرقوب. وكان في فترة الاحتلال مزدهراً سياحياً كونه المتنفس الوحيد في القطاع الشرقي لقضاء الويك أند، رغم تقويض، مرابض المدفعية لما كان يسمى جيش لحد؛ استقراره وهدوءه..
واليوم شملته نعمة تواجد الجيش اللبناني فيه؛ وضمه إلى منطقة عمل اليونيفيل في القطاع الشرقي.. وأما وادي الحاصباني، حوض الحاصباني – الخصب والشهير بزراعة الملفوف البلدي الأبيض والخضار والفاكهة؛ والذي يعتبر ثاني أخصب حوض نهري في لبنان بعد حوض العاصي؛ فيدور جدل كبير؛ ولغط خطير حول إنشاء سد الحاصباني على أقدامه والذي يهدد بإتلاف وإلغاء معظم مساحاته وبساتينه – حوالى أربعة آلاف دونم من أصل خمسة آلاف – واليوم جمد العمل فيه والجدل حوله بسبب اعتراض الأهالي والمزارعين في منطقة حاصبيا الذين سيخسرون مصدر عيشهم ومورد رزقهم الرئيسي.

وادي التيم
وأما وادي التيم الشهير، وادي المشاكل والحروب، منذ أيام الصليبيين وما قبلهم، إلى أيام المغول والترك والتتر. إلى الجيوش العربية والجزار وفخر الدين والشهابيين حيث سمي وادي التيم الفوقا، راشيا الوادي. ووادي التيم التحتا، – حاصبيا – واقتسام الحكم والسيطرة منه بين الأمراء الشهابيين والمعنيين من قبلهم.
وهناك أودية صغيرة في المنطقة تعتبر مجاري أنهر وجداول مثل: وادي نهر أبو رجاجة ووادي نهر الفاتر ووادي ميمس، ووادي البوسيس في حاصبيا الذي يسبب نكسة صحية صيفاً، كونه مصباً لمجاري المياه المبتذلة في محور حاصبيا وشويا وعين قنيا. وتخطط بلدية حاصبيا لتنفيذ مشروع صرف صحي فيه لتلافي التلوث وانبعاث الحشرات والروائح الكريهة منه… وفي خراج بلدة شويا، يشتهر وادي اليهودي وهو منطقة جبلية صعبة المسالك، يستثمر زراعياً – حبوب فقط – واليوم زرع بالزيتون وأشجار الفاكهة.

وادي جنعم
أما وادي جنعم الشهير والمعروف باسم حجاز جنعم الاستراتيجي على أقدام جبل الشيخ، فهو شيخ الأودية. وأشهر المجازات الاستراتيجية في وادي التيم. وهو يربط منطقة العرقوب، بالبقاع عبر راشيا الوادي. وله قصة مثيرة مع الجيوش العربية المشتركة في أواخر الستينات من القرن الماضي فيما كان يعرف باستراتيجية علي علي عامر لإعلان الحرب على إسرائيل التي استبقت جميع الخطط والاستعدادات العربية المشتركة لتبدأ الحرب المسماة: حرب حزيران 1967 ونتائجها المأساوية المعروفة والتي دفع لبنان القسط الأكبر من ثمنها ولا يزال…
ووادي جنعم يعرف – بطريق الجامعة العربية – إذ اتخذ مؤتمر القمة العربية في منتصف الستينات من القرن الماضي قراراً بشق طريق عسكرية، من منطقة راشيا الوادي بالبقاع، إلى منطقة العرقوب على مشارف سهل الحولة المحتل لإرسال الجيوش العربية عبرها لشن الحرب على إسرائيل ولكن حرب حزيران 1967 جمدت المشروع. وألغت كل شيء وظل الوادي يعرف باسم: طريق الجامعة العربية… وكان يستعمله الفدائيون الفلسطينيون كطريق لشن عمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حتى اجتياح 1982 الذي اجتاح وادي جنعم. وعبرته الدبابات الإسرائيلية إلى البقاع. حيث أعادت القوات الإسرائيلية تأهيل طريق الجامعة العربية ووسعتها وعبّدتها خدمة لقوافلها العسكرية. وتنقل دورياتها، إلى أن جاء التحرير، وعاد الوادي ينعم بهدوئه ورونقه السياحي، وخاصة شتاءً، للتمتع بويك أند الأسبوع على الثلج الذي بلغت سماكته هذا العام، متراً ونصف المتر، على الطريق الرئيسية التي أعادت الدولة اللبنانية توسيعها وتعبيدها، لتتحول إلى صلة وصل مهمة بين العرقوب والبقاع. وتحولت مع الزمن معظم المواصلات عبره إلى بيروت عبر راشيا الوادي. ومنذ انحسار العاصفة الثلجية الصعبة والوادي يشهد زيارات ونزهات يومية للعائلات من وادي التيم الفوقا ووادي التيم التحتا للتمتع بدفء الشمس وروعة المنظر وجمال الطبيعة وهدوء وسكينة واسترخاء وابتعاد عن هموم الحياة اليومية.
وهناك وادي الوزاني الشهير المعروف بحوض الوزارني وهو أشهر من أن يعرَّف، إذ إن دوره وطني وأمني وإنمائي واستراتيجي وسياحي. ويكفي أن نقرأ لوحات إعلانية فيه تقول: أنت لست في جزر المالديف، أنت في الوزاني!….
  

السابق
علامات ملل الحبيب
التالي
محمد علي مقلِّد عن كتابه الشيعية السياسية