هذا ما سيقوله المفتي اليوم…

كأنّ العلاقة المتوترة بين مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني وأعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى لم يكن ينقصها إلا الدعوى التي قدّمها المفتي أمام مجلس شورى الدولة بحقّ المجلس حتى يكتمل «النقل بالزعرور»، وتشتعل الأمور. إلا أنّ علاقة المفتي بالقيادات السنّية ليست أفضل بكثير، نتيجة تجاهله مساعي رؤساء الحكومات المتعاقبة، ما ولّد أكثر من علامة استفهام، وجعلهم يتساءلون: «طيّب مين بيمون على المفتي؟».

"المفتي يغرّد خارج السرب"، بهذه العبارة يختصر نائب رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى عمر مسقاوي الحال المذرية التي بلغتها العلاقة بين المجلس وقباني، بعد تضاؤل حظوظ الوصول إلى انفراجات.

بأسف يتحدّث مسقاوي إلى "الجمهورية" بعدما طفح كيله، قائلاً: "أستغرب كيف أنّ المفتي لم يوافق على أيّ مسعى أو مبادرة طرحت عليه لرأب الصدع والتخفيف من حدّة الانشقاق". ويضيف: "رفضه هذا يُعبّر عن دخوله كلاعب في الانقسام السياسي الحاصل في البلد، مع الإشارة إلى أنّه لا يملك أيّة ورقة قانونية رابحة".

في هذا الإطار، يؤكّد مسقاوي أنّ "المفتي جزء من المجلس، إذا حضر شخصيّاً قد يدير الجلسة، وفي غيابه يتولّى نائب الرئيس المهمّة، إلا أنّ المجلس مستقلّ في قراراته عن المفتي ويمكنه التحرّك من دونه".

وتعليقاً على رفع المفتي دعويين (دعوى على مجهول وكلّ ما يظهره التحقيق بتزوير تمديد المجلس، وأخرى أمام مجلس شورى الدولة، ضدّ "الدولة اللبنانية ممثلةً و"المجلس الشرعي")، يقول مسقاوي: "مجلس شورى الدولة هو المرجع الصحيح، إذا كان للمفتي اعتراضات، لكنّ بقيّة الخطوات نضعها في إطار التهويل".

في الوقت عينه، يرفض مسقاوي الحديث عن أيّة خطوات تصعيدية مرتقبة، قائلاً: "تكفي الحال التي بلغها دار الإفتاء، نريد الحفاظ على وحدة صفّ المجلس، وفي طبيعة الحال كلّ ما يُثار إعلامياً ليس بجديد، لأنّنا منذ سنوات نعترض ونندّدَ بتصرّفات المفتي"، مؤكّدا أن "لا شيء يمنع من سحب البساط من تحت قدمي المفتي، شرط أن يدعو الرئيس نجيب ميقاتي الهيئة الناخبة".

عريمط

من جهته، يعتبر الأمين العام للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى السابق خلدون عريمط، أنّه "مجرّد رفع المفتي دعوى ضدّ أعضاء المجلس يعني أنّه فقد دوره في البقاء مرجعاً دينيّاً موحّداً لأبناء الطائفة، وتحوّل إلى فريق يخاصم أكثرية القيادات الإسلامية وأعضاء المجلس، ما يعني أنّ شرعية المفتي سقطت، ولم يعد أهلاً لأن يستمرّ في موقعه الديني".

ويضيف عريمط في حديث لـ"الجمهورية": "مبدأ الدعوى القضائية مرفوض شكلاً ومضموناً، بصرف النظر عن الأسباب، لأنّه لا يمكن لهذا الموقع أن يكون خصماً أو فريقاً في مواجهة فريق أساسيّ في المؤسّسات الإسلامية"، مستغرباً كيف أقدمَ المفتي على مثل هذه الخطوة، "لم يسبق في تاريخ الإفتاء أن تقدّم مُفتٍ بدعوى ضدّ أعضاء المجلس الشرعي".

مصادر المجلس الشرعي

في سياق متصل، تؤكّد مصادر مطلعة في المجلس الشرعي لـ"الجمهورية"، أنّ "المفتي لا يبحث عن حلّ، كونه لم يتلقّف أيّاً من المبادرات التي عُرضت عليه، إنّما يسعى وراء غايات يراها مفيدة ومُحقّة". وتضيف: "لا نستبعد في أن يكون المفتي يطبّق أجندة إقليمية بعيداً من مصلحة المسلمين، بعدما بات على عداوة مع أبرز أركان الطائفة السنّية، ما يطرح أكثر من علامة استفهام".

وهل يملك المفتي أوراقاً رابحة يستمدّ منها صلابة موقفه؟ تجيب المصادر: "ليس في جعبته إلا أوراق وهمية، وأيّ رهان في هذا الإطار يبقى واهياً، وإنّ هاجسه الأكبر ملفّ ابنه وما دار من فساد ماليّ حول إسمه، وقضية تعديل النظام الداخلي، على نحو يسقط أيّ احتمال في محاسبته".

وفي وقت تلقّى المشايخ وأئمة المساجد دعوة المفتي إلى المشاركة في الجلسة عند الخامسة بعد ظهر اليوم، تؤكّد مصادرهم تلقّيهم تهديدات تحثّهم على "إلزامية الحضور وإلّا فسوف يُحرمون من مخصّصاتهم".

أمّا بالنسبة إلى أبرز ما سيحمله ردّ المفتي قباني اليوم، فيؤكّد مصدر مقرّب منه لـ"الجمهورية"، أنّه "سيضع النقاط على الحروف، وسيوضح الآتي: أوّلاً استمرار المفتي بالدعوة إلى الانتخابات في 14 نيسان، ثانياً سيتوقّف عند بيان رؤساء الحكومة الذي تمّ تفسيره على أنّه مقدّمة لعزله، على اعتبار أنّه لا يمثّل جميع رؤساء الحكومات، والدليل بيان الرئيس سليم الحص الأخير الذي أكّد فيه ضرورة إجراء انتخابات المجلس الأعلى في موعدها".

ويضيف: "كما سيؤكّد عدم شرعية تمديد المجلس الشرعي لولايته، وقد يلجأ المفتي إلى الاستمرار في الدعاوى ريثما تنجلي الحقيقية وكشف ملابسات التمديد. وسيقدّم سلسلة من التوجيهات لضمان مرور المرحلة الآنيّة بأقلّ ضرر ممكن".

ويضيف: "صحيح أنّ المفتي لن يذهب في اتّجاه التهدئة إلا أنّه في الوقت نفسه لن يُصعّد، على رغم أنّ كلامه قد "يزعّل" بعض الأشخاص، إنّما آن الوقت لوضع الإصبع على الجرح".

ويشير المصدر إلى أنّ قباني "سيتوقّف كذلك عند المرسوم الرقم 18 وما يحمله من صلاحيّات للمفتي. وهو لن يردّ على شخص واحد، أو يوجّه كلامه إلى شخص محدّد، إنّما سيصوّب القضايا في مسارها الصحيح وسط اللبس والإشاعات التي تسير مثل النار في الهشيم".

السابق
الرحباني وحفلة في الشمال
التالي
كغدٍ في ظهر الغيب