كغدٍ في ظهر الغيب

ما دام الرئيس نبيه بري لم يرفع يديه، ولم يرفع الراية البيضاء، ولم يعلن استسلامه بالنسبة إلى المساعي الحميدة التي تبحث عن قانون انتخاب يجمع ولا يفرّق، يبقى للتفاؤل مطرحه.
كما يبقى لاحتمال التفاهم والتوافق نصيب وحصة، مثلما يبقى التوصّل إلى مشروع قانون انتخاب غير مستحيل، بل وارداً جدياً، وبنسبة عالية، وخصوصاً إذا تمكّنت المساعي الجماعيّة المنتظر انطلاقها في الأيام المقبلة من "انتزاع" الموافقة على نص لا يموت معه الديب ولا يفنى الغنم.
الخطر الأمني لم يعد مجرّد هواجس وكوابيس ليليّة، بقدر ما أصبح حقيقة ملموسة تغذّيها جهات متضرّرة، وأحداث مفتعلة.
وثمة مَنْ يعتقد أن هذا "الخطر" أصبح حاضراً بقوة. وفي رأس لائحة المخاوف التي يُحسب لها ألف حساب.
وإذا ما استمرّت المراوحة حول قانون الانتخاب المنشود، الذي لم يعد يختلف بندرته وصعوبته عن لبن العصفور، فإن الضغوط ستتضاعف لجهة تأجيل الاستحقاق النيابي… وما يستتبع ذلك من خطوات ومتغيّرات على مختلف المستويات.
رئيس المجلس لم يفقد الأمل.
ولا يزال مصرّاً على بذل كل الجهود، والمحاولات، والمساعي، مع الأفرقاء والمرجعيّات والقيادات المعنيّة بهذه الانتخابات التي يتوقّع كثيرون أن تساهم نتائجها في تغيير الوضع اللبناني الراهن، وتبديل كل ما يعرقل مسيرة الإصلاح.
أما بالنسبة إلى المحاذير والمخاطر التي تتهدّد التركيبة اللبنانيّة بكل نظامها وتميّزها وتعدّديتها، فإن كثيرين من النواب والسياسيّين وأصحاب رؤوس الأموال والمصالح الكبرى التي تحتاج دائماً إلى الاستقرار والأمان… يعتقدون أن لبنان لم يبلغ نقطة اللارجوع إلى الوضع الطبيعي.
لم تستنفد "الوسائل الأخرى" التي لا تزال في الاحتياط. ومساعي التسوية والمعالجات القريبة من الترقيع لم "تستقل" من دورها. ولا يزال أمام برّي والقوى الوسطيّة المزيد من الوقت… ومن اليوم إلى أواخر نيسان المقبل.
ينجح بري أو لا ينجح؟ تنجح الجهود الوسطيّة في إشراف الرئيس ميشال سليمان ودعم النائب وليد جنبلاط أو لا تنجح؟ تطرأ تطوّرات تزعزع الواقف على شوار دون أن ترميه في الهاوية؟
يحصل ذلك أو لا يحصل، المهم أن يبقى لبنان بعيداً من شظايا وشرارات الحريق السوري الذي بدأت نيرانه تقترب من الحدود المشتركة وتتجاوزها في أحيان كثيرة.
لا بدّ للقوى السياسيّة الأخرى، التي تأكل من صحن السلبيّات وتشرب من أقداحها، أن تلاقي رئيس المجلس في أول الطريق لا منتصفه، وتضع يدها بيده. فلربّما تمكّن لبنان من تجاوز قطوع "الكوكتيلات": كوكتيل الطائفيات والمذهبيات، ومعه كوكتيل الاستحقاق النيابي وقانونه الذي لا يزال كغدٍ في ظهر الغيب.

السابق
هذا ما سيقوله المفتي اليوم…
التالي
قيود اسرائيلية على مصلّي المسجد الاقصى