السنيورة يهزم مفتي الجمهورية

من دون مواربة، قرّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومعه رؤساء الحكومات السابقون «إقامة الحد السياسي» على مفتي الجمهورية الشيخ محمّد رشيد قباني. كان الرجل يخوض «حرباً» ضدّ «التيار الأزرق» وبـ«غمزة عين» من رؤساء حكومات سابقين. أما اليوم، فإن المعركة نفسها تكاد تنتهي بعد أن اصطف كلّ الرؤساء في وجه المفتي، ودقوا طبول الحرب عليه.
بين السطور، قال هؤلاء لقباني: «إما أن تدعو إلى اجتماع لـ«المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى» وإما أن تُقال»، أو بلغة أخرى «إما أن تخضع لـ«المستقبل» وتعطي «صك اعتراف» للمجلس الشرعي الذي مدّد لنفسه برئاسة نائب الرئيس عمر مسقاوي، وإما أن ترحل»!
من بعيد، يضحك الرئيس فؤاد السنيورة. يرفع مسقاوي «علامة النصر»، ويصرخ الأعضاء الممدد لهم في بهو دار الفتوى: «ربحنا على المفتي».
بالطبع، إنها معادلة صعبة فرضها هؤلاء بحجة «إصرار سماحته على تعطيل عمل «المجلس الشرعي». وقد أكدت مصادر المفتي أن ميقاتي أوفد له مساء أمس أحد مستشاريه بلال حمد الذي أبلغه رسالة شفهية بما قرره رؤساء الحكومات، أي الاشتراط عليه بأن يدعو إلى اجتماع المجلس يوم السبت ويقرّ التمديد له أو يُقال «لأنك لم تعد تلعب دورك بجمع الطائفة».
وعلى قاعدة «يا جبل ما يهزك ريح»، لن يتراجع قباني عن موقفه، ولا عن دعوته إلى انتخاب مجلس شرعي في 14 نيسان، كما أنه لن يدعو إلى جلسة السبت المقبل، كما طلب منه رؤساء الحكومات. بالنسبة له «قراري الحرّ أهمّ من المناصب».
المفتي ليس قدرياً إلى هذه الدرجة، بل إنه ما زال يملك الأوراق التي تخوّله عدم حسم المعركة لمصلحة «تيار المستقبل»، إذ تقول مصادره: «أرادوها حرباً فلتكن.. ففي الحرب تصبح كلّ الاسلحة المحظورة، مباحة!».
يستمدّ هؤلاء الثقة من أن «لا أسباب موجبة لإقالة المفتي»، إذ تنص المادة 6 من المرسوم الإشتراعي 18/1955: «ينتخب مفتي الجمهورية لولاية تنتهي ببلوغه سن الثانية والسبعين على أن لا تقلّ في مطلق الأحوال عن خمس سنوات، ولا يعفى من منصبه إلا لدواعٍ صحية تمنعه من حسن القيام بمهامه، أو لأسباب خطيرة، ويصدر قرار الإعفاء من «مجلس الانتخاب الإسلامي» بدعوة من «المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى»، حال عدم اعتزال المنصب بالطوع والاختيار، وذلك بأكثرية ثلاثة أرباع الأعضاء على الأقلّ…».
ويتألف «مجلس الانتخاب الإسلامي» من: رئيس مجلس الوزراء العامل ورؤساء مجلس الوزراء السابقين، الوزراء السنيين العاملين، أعضاء «المجلس الشرعي»، المفتين المحليين العاملين، العلماء قضاة الشـرع العاملين والمتقاعدين، أمين الفتوى في كلّ من بيروت وطرابلس، والمدير العام للأوقاف الإسلامية.
وفيما لا يجد قباني وفريقه سببا واحدا للاقالة، تعتبر مصادر «المستقبل» أن «ممارسات قباني أخطر بكثير من «ملفه المالي» لأنه عطّل «المجلس الشرعي»، وعمل على تفرقة المؤسسة الدينية والحطّ من شأنها، دون الاحتكام إلى القانون بل تصرّف بعناد، ودعا إلى انتخابات للتهويل وليس للحفاظ على المؤسسات».
وتلفت الانتباه إلى أن الإقالة تحتاج إلى وقت، وما زال أمام المفتي فرصة للعودة الى الوراء»، وتؤكد أنه لم يحصل توافق سياسي بين الرؤساء لاتخاذ إجراءات بحق قباني.
السنيورة «يطبخ الفكرة»
وفي كلّ الأحوال، فإن «رفع الغطاء» عن المفتي جاء بعد سلسلة «صولات وجولات» قام بها السنيورة في اليومين الماضيين. وتقول مصادر متابعة أن رئيس «الكتلة الزرقاء» زار منذ يومين الرئيس عمر كرامي في منزله في بيروت، محاولاً الإيحاء بإعطاء كرامي خياراً: «اختر المفتي الذي تريده، وأنا سأمشي معك به بعد إقالة قباني». وتشير الى أن الأمر ذاته حصل مع آخرين ينتمون الى نادي رؤساء الحكومات السابقين.
عند السنيورة «حل لكل عقدة». ففي جلسة الأمس، في السرايا، قدّم إخراجاً قانونياً لإقالة المفتي. وعلى ورقة وقلم، أجرى وزير المال الأسبق حساباته الدقيقة، وأعلنها لرؤساء الحكومات: «حوّلوا الملف وأنا أضمن لكم أصوات 85 شخصاً من أصل 107 (الذين يؤلفون الهيئة الناخبة) ليصوّتوا لإعفاء المفتي من منصبه».
أما ميقاتي، فما زال يأمل بالحلّ، وتوضح أوساطه أن رئيس الحكومة عاتب على المفتي لتجاهله كلّ المبادرات التي طرحها، فهو قام بزيارته أكثر من مرتين للوقوف على خاطره، وفي كلّ مرة، كان قباني مصراً على رأيه».
وشددت المصادر على أن رئيس الحكومة «ما زال يعطي فرصة للحلّ، وهو متأمل بذلك من خلال المبادرات التي أطلقها، في سبيل التوصّل إلى حلّ، يحافظ على دار الفتوى ومقام المفتي»، داعيةً قباني إلى «عدم الإستمرار في العناد والتشبث بالموقف».
يذكر أن إقالة قباني في حال حصولها، ستعتبر سابقة. ففي العام 1966 طلب رؤساء الحكومات والمعنيون من المفتي محمد علايا الاستقالة، بعد أن فقد أهليته (بسبب المرض) في إدارة دار الفتوى، وما لبث أن نزل عند طلبهم من دون إقالته.

السابق
نتانياهو: العام الحالي سيكون حاسماً لأمن إسرائيل
التالي
مذكرات فتاة صلعاء