لبنان وسيناريو الفراغ الشامل


هناك مَن يقول: أسابيع قليلة، ويبدأ الفيلم: لا إنتخابات، ولا شرعية للمجلس القديم. لا حكومة فاعلة بل تصريفُ أعمال… وبعد عام، لا شرعية لمجلسٍ ينتخب الرئيس، ولا رئيس! فهل دخول لبنان سيناريو الفراغ الشامل… مسموح أم مطلوب؟
السيناريو قد يتحقّق أو لا. لكنه يثير الهواجس منذ أن بدأ الصراع في سوريا يتَّخذ طابع الاستنزاف بين لا غالب ولا مغلوب. وقبل ذلك، تفاءل فريق "14 آذار" بحسم سريع في سوريا يتيح له العودة إلى السلطة.

ثم تفاءل فريق "8 آذار" بالحسم في سوريا ولبنان. واليوم يشعر الجميع بأنهم تسرّعوا، وبأن سوريا ربما أنهت العامين الأولين من حرب طويلة جداً، وفق النموذج اللبناني.

النظرة التقليدية للأزمة اللبنانية تستبعد السيناريو تماماً. ويقول سياسيون "وسطيون" ومن "14 و8 آذار" إن الفراغ الشامل ليس وارداً إطلاقاً. فهناك غطاء عربي – دولي يضبط اللعبة، و"على الفاصلة".

ولولا ذلك، لما تجاوزنا القطوع تلو القطوع منذ إغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى حرب تموز والإغتيالات اللاحقة وشرارات الفتنة المذهبية. فهذا الغطاء هو الذي صنع "الحلف الرباعي" في 2005، والقرارات الدولية والمحكمة والدوحة. فلا خوف من المجهول، يقول هؤلاء السياسيون.

وما يقوم به كل طرف داخلي لا يعدو كونه محاولة لرفع السقف قبل التسوية الآتية حتماً، وفي اللحظة الأخيرة. وسيتبلّغ الجميع ذلك من خلال الأقنية الديبلوماسية التي تتعاطى معهم. فلبنان يُرادُ منه أن يبقى "في الثلاجة" إلى أن تنضج المعالم الجديدة للشرق الأوسط. ولذلك، فالمسّ باستقرار لبنان خط أحمر دولي.

لكن سياسيين في الغالبية والمعارضة، يخشون أن تكون الصورة السابقة لـ"الستاتيكو" اللبناني قد تبدّلت، من دون أن يشعر الكثيرون بهذا التبدّل لسببين:

– الأول هو أن الحراك في سوريا لم ينتهِ بعد، ولم يتمخَّض عن وقائع إستراتيجية جديدة.

– الثاني هو أن لبنان لم يتعرّض، لامتحان سياسي أو دستوري أو أمني حاسم، من شأنه أن يترجم التبدلات الإستراتيجية.

ويقول هؤلاء: يظنُّ بعض المطمئنين أن الساحة اللبنانية ممسوكة. لكنهم لا يلاحظون التشابه الخطر بين المعادلات السياسية والأمنية والاجتماعية القائمة حالياً وتلك التي كانت قائمة عشية اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975.

فمعادلة "س – س"، سقطت بتعطيل قطبها السوري. وهذه المعادلة التسووية العربية الثنائية كانت ترجمة عملانية لمعادلة دولية ثنائية. ومن هنا، ظهر التدخل الفرنسي المباشر في بيروت والرياض من خلال زيارة الرئيس فرنسوا هولاند قبل أشهر، والتحرك الديبلوماسي الأميركي والأوروبي الأخير.

وفي المبدأ، تحبّذ القوى الدولية تسوية معتدلة ركيزتها قانون 1960 لأنه يحافظ على الإعتدال ودور وازنٍ للوسطيين. إلاّ أن "حزب الله" وحلفاءه يؤكدون أنهم لن يغادروا مشروع "اللقاء الأرثوذكسي" أو النسبية في الدائرة الواحدة، أياً يكن الثمن.

وهنا سيكون الجميع مُحرَجاً: رئيسا الجمهورية والحكومة والنائب وليد جنبلاط سيمضون في المسار الدستوري الذي إنطلق بمرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وسيتمسكون في جلسة 21 آذار بتأليف هيئة الإشراف على الإنتخابات… وإزاء الرفض، يتردّد أن الرئيس نجيب ميقاتي قد يضع استقالته في تصرّف الرئيس ميشال سليمان، وقد يتقدّم بها رسمياً، فيما يعتكف وزراء سليمان وجنبلاط. سيعتبر "حزب الله" وحلفاؤه أن هناك استدارجاً مقصوداً إلى قانون الـ1960، وتجدر مواجهته بأيّ ثمن.

وسيكون الرئيس نبيه بري مُحرجاً في الخروج من محاولاته التوفيقية وإعتماد أحد خيارين: إما تعطيل الإنتخابات وإما الدعوة إلى جلسة عامة تُقرُّ "الأرثوذكسي": "مرغمٌ أخاك لا بطل"! أما حزبا "القوات" و"الكتائب" فسيحرجهما التمسك بـ"الأرثوذكسي" إذا لم يقدّم الحلفاء تنازلاً تعويضياً. وستكون بكركي مُحرجة في دعم هذا الخيار.

هذه، على الأرجح، بدايةُ الفوضى. والقوى الدولية ستدعم "الوسطيين" وتطلب منهم "الصمود"، وقد تردُّ بدعوة ميقاتي إلى إسقاط الحكومة التي يتمسك بها "حزب الله". لكن ذلك سيكرِّس الفوضى. فإذا تحوّلت حكومة ميقاتي إلى حكومة تصريف أعمال، فقدت قدرتها على إجراء الإنتخابات…

وفَقَد المجلس الحالي شرعيته وقدرته على إنتخاب رئيس للجمهورية سنة 2014، فيما يختلف الجميع مع الجميع على البدائل من انتهاء ولاية المجلس. وهكذا يدخل لبنان سيناريو الفراغ الشامل دستورياً، والفوضى الشاملة سياسياً وربما أمنياً وعسكرياً. فهل تحصل معجزة تجنِّب لبنان الأسوأ، أم تتكفّل الرياح الشرقية الساخنة بنقل "الفيروس" السوري إلى ربيع لبنان؟

السابق
خالد ضاهر “يبلع” مستقبل عكار
التالي
الاحتفال بذكرى “14 آذار” تقسم على قسمين