لبنان البشَّاري الهوى: صُداع

كأنما لا يكفي التصدُّع الذي يعيشه لبنان لكي يتسبب بحالة صُداع في العلاقات كلام غير دبلوماسي من الأستاذ عدنان منصور رئيس الدبلوماسية في حقبة لبنان 8 آذار (الجمع السياسي الحزبي المناهض لـ 14 شباط وليس 8 آذار عيد المرأة وعيد المعلمْ المصادفيْن هذا التاريخ الذي لا يستسيغه أهل العيديْن).
ما قاله الوزير يبدو طبيعياً ويعبِّر عن رؤيته للأمور، لو أن القول هو ضمن حلقة نقاش بين أقران منصب جرى في كواليس الجامعة العربية خلال إنعقاد مجلس الجامعة في دورة عادية أو في دورة استثنائية. وكثيراً ما يحدث ذلك ويقول وزراء خارجية في لقاءات الكواليس ما لا يقال عندما تنعقد الجلسة ويبدأ تسجيلها وبالتالي يصبح كل وزير مسؤولاً عن كل كلمة يقولها، بينما في الكواليس لا يحدث ذلك.
ما أراده الوزير عدنان منصور من دعوته على الملأ إلى رفْع العزل الموقت أصلاً على النظام السوري لم يبدل من الواقع شيئاً. وبدل ان يحقق مبتغاه فإنه كان يمكن ان يتسبب للبنان نفسه بحالة من العزل وذلك وفْق مبدأ أن من يناصر الطرف المعزول يستحق أيضاً العزل. ولو أنه بدل الدعوة التي أطلقها مفاجئاً بها الحكومة التي هو عضو فيها والرئاسة اللبنانية التي هي المرجع من حيث الواقع له طرح الآمر بغير المفردات التي إستعملها وشدد على أهمية الحوار السياسي الذي يتحقق بتنازلات من طرفيْ المحنة السورية وإقترح إستضافة لبنان لجولة أولى من جولات الحوار، لكان بذلك يؤدي بالفعل خدمة لسوريا النظام وسوريا الطيف المعارض. لكنه آثر تقديم مساندة للنظام مع انه لو أراد التعبير كمواطن عربي عادي وليس كموظف موقت في الدولة اللبنانية بمنصب وزير الخارجية، عما يحدث في سوريا منذ سنتين، لكان أخذ في الإعتبار الجانب الإنساني من المحنة وكيف ان هجمة النظام لا ترحم الاطفال والنساء وكبار السن وتتسبب بهجمة مبغوضة من الطيف المنتفض.
ولا بد أن الوزير عدنان منصور يتابع عبْر الفضائيات يوميات مسلسل المحنة السورية. كما لا بد وهو الجد حديثاً لحفيدة من إبنته يكاد يذرف الدمع على ما يراه وبالذات منظر أطفال يسيرون حفاة فوق الوحول أو جالسين في مغاور حول أمهات في إنتظار بضعة أرغفة أو طبق طعام تقدمه الأم الصابرة على الضيم والتي طهت الطبخة على نار أحذية مطاطية قديمة إختزن الأطفال في صدورهم دخانها المسرطن قبل أن يقتاتوا بما تيسَّر.
لا أحد يرتضي لسوريا هذه المحنة التي تعيشها ولا أحد بمن في ذلك الاشقاء الذين إرتأوا العزل تنبيهاً وليس عقاباً عسى ولعل يتوقف مسلسل القتل والتدمير اليومي، يريدون بقاء النظام السوري معزولاً. ولكن الذي يُنهي هذا العزل ليس اقتراحاً في جلسة لوزراء الخارجية ولا وقفة تعاطُف من جانب وزير خارجية لبنان دون سائر الوزراء العرب، وإنما الذي ينهي العزل هو النظام السوري نفسه كأن يستبق إجراءات بناء مؤسسات دولة المعارضة وذلك بخطاب إلى الأمة يقول فيه ما معناه إن ترميم مؤسسات الدولة السورية الحاضنة للجميع ممكن رغم فداحة الخسارة وبشاعة المأساة وبعد الترميم نقرر جميعاً المصير.
وبالعودة إلى كلام الوزير عدنان منصور يمكن أخْذه في الإعتبار على أساس أن لبنان هو في الموضوع السوري لبنانان وبذلك فإن الكلام كان سيبدو عادياً ولا يثير أي ضجيج لو أن قائله هو أحد أطراف لبنان البشَّاري الهوى أي زيادة في التوضيح لو كان القائل هو أحد قادة «اللوبي» المتعاطف مع الرئيس بشَّار لكن الكلام لا يعود عادياً عندما يصدر عن الوزير الذي مهما كان انتماؤه أو تمثيله لأي حزب أو حركة أو تيار أو مرجعية فإنه يمثّل الدولة، وهذا على سبيل المثال لا الحصر الأسلوب المتوازن الذي يعتمده وزير خارجية العراق هوشيار زيباري حيث انه ضمناً، إلى جانب كونه من «كوتا» الأكراد في الحكومة، لا يحبذ السياسة التي يعتمدها رئيس الحكومة نوري المالكي، لكنه لا يعبِّر عندما يصرِّح أو يتحدث إلى صحيفة أو فضائية عن موقف يتعارض مع الخط المرسوم من جانب رئيسه نوري المالكي.
وخلاصة القول إن الوزير عدنان منصور في ما قاله نأى قليلاً عن منصبه الرسمي فتصرف بدافع من مشاعره وليس بما تمليه عليه المعادلة التي يتسبب القفز فوقها في أسوأ الضرر. وإذا كان الوزير إفترض ان نخوة قادة الخليج بالذات وترطيب السفير علي عسيري للعتب تفرض عليهم تقبُّل اجتهادات إستنسابية يغلفها وزير الخارجية بصيغة موقف ظاهره شخصي وباطنه رسمي أو العكس وبالتالي لا يوجهون بإجراءات تُربك بضعة عشرات الألوف من اللبنانيين العاملين في دول الخليج، فإن افتراضه في محله لو أن الكلام سواء حول العزلة السورية أو حول قادة خليجيين أو ظروف طارئة تعيشها أحدى دول الخليج حدث بفعل هفوة أو زلة لسان يستتبعها الذي هف أو زل بتوضيح ومن دون حيثيات وإجتهادات. اما عندما لا يحصل ذلك فإن تكليف الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي بإيصال الرسالة الإحتجاجية إلى رئيس الدولة أمر يستوجب وقفة أمامه كونه يحدث للمرة الأولى.
وفي ضوء هذا الذي حصل لا بد من وقفة يشارك فيها أقطاب «اللوبي البشَّاري» في لبنان ويقرر هؤلاء تحييد وزارتين من ساحة الانقسام هما وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وبحيث تكون هاتان الوزارتان بالفعل هما للبنان ذي الجناحين مع ملاحظة انهما جناحان منتوفا بعض الريش وغير قادريْن على التحليق نحو الأفضل للبنان المقيمين ولبنان العاملين في ديار الله.
عسى ولعل تكون القمة العربية الدورية المستضافة في الدوحة بعد أسبوعين مناسبة لكي يصلح الرئيس ميشال سليمان ما أفسده أجتهاد وزير الخارجية عدنان منصور أو ينبري الوزير نفسه إلى تبرئة الذمة الدبلوماسية بما لا يجعل العتب الخليجي يتحول من تنبيه إلى ما هو ادهى.

السابق
الطائفة المخطوفة..11 أيلول شيعي
التالي
شاكر يفتتح مطعماً للسلفيين