كباش بين ميقاتي وحزب الله

يستخلص رئيس الحكومة نجيب ميقاتي العِبَر. لم تُحدث استقالته الشفهيّة أيّ ردود خارجيّة متعاطفة. سبق أن أعلن أنه لن يكون رئيساً لحكومة تشرف على الانتخابات.

إنتظرَ مَن يُثني على دوره ويحرص على بقائه في السراي، إلاّ أنّ ذلك لم يحصل، والذي حصل كان النقيض. سارع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزيّاني الى تأكيد فشله في تطبيق سياسة النأي بالنفس من خلال الرسالة التي نقلها إلى رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان، وأكدّ وزير الخارجيّة والمغتربين عدنان منصور ما ذهبت إليه الرسالة الخليجيّة، من خلال المواقف التي أعلنها في القاهرة، فيما سارع "حزب الله" الى تغطية منصور، والتأكيد أنّ ما أعلنه يمثّل "سياسة لبنان الخارجيّة قولاً وفعلاً".

يعرف الحزب تماماً أن الرسالة الخليجيّة أبعد من "لفت نظر"، إنها "إنذار"؟ ويعرف أن أصابع الاتهام تشمله أيضاً على خلفيّة مواقفه الداعمة للمعارضة البحرينيّة، وأيضاً لتورطه في المواجهات الدامية على محور الهرمل – القصير مع المعارضة السوريّة. ويعرف تماماً أن تصرّفاته تُعَرّي الحكومة ورئيسها أمام الأصدقاء والأعداء، في الداخل، وفي الخارج، وتسبب عصياناً مدوّياً على سياسة النأي بالنفس.

إن الهوّة تزداد اتساعاً ما بين ميقاتي والحزب، فيما الثقة المتبادلة الى نضوب لتحلّ مكانها الشكوك المتبادلة، إذ يشعر الأخير بأن رئيس الحكومة بدأ يحسبها مذهبيّاً وإنتخابيّاً منذ فترة.

يغطي ظاهرة الشيخ أحمد الأسير، يتغاضى عن الانتفاضات الأصوليّة في سجن رومية، يرفع المظلة فوق بعض التحركات السلفيّة في الشارع الطرابلسي، ولم يكن حازماً حاسماً في حادثة عرسال، ولم يذهب الى النهاية في مواجهة الخروق على طول الحدود الشماليّة، نظراً إلى خصوصية المنطقة.

ويشعر الحزب أيضاً بأنّ ميقاتي بدأ في الآونة الأخيرة يحسبها أميركيّاً. استمع الى نصيحة السفيرة مورا كونيللي في شأن الإنتخابات، ووقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة محترِماً المهل الدستوريّة، غير آبهٍ بمواقف شركائه في الحكومة من قوى "8 آذار"، حتى أنّ موقفه من القانون الأرثوذكسي كان متقدماً بتطرّفه على موقف تيار "المستقبل"، وإن كان الطرفان يخوضان معركة مفتوحة من المزيدات لاستقطاب الشارع السنيّ.

ويشعر الحزب بأن ميقاتي يعاني من إشكالية في صدقيته مع الناس. وَعَد هيئة التنسيق النقابيّة بسلسلة الرتب والرواتب الجديدة، وعند الاستحقاق لم يفعل، وهو أمام تحدٍّ جديد لا يستطيع تحمّل نتائجه في الشارع السنّي، إذا كان "لا مال لتمويل السلسلة، فهذا يعني لا مال لتمويل المحكمة الدوليّة؟!".

وأخطر ما يشعر به الحزب أن يكون هو المستهدف في حال قَضَت حسابات ميقاتي السياسيّة والانتخابيّة بالاستقالة من دون أن يكون البديل الحكومي مضموناً، وظهرت معوقات تحول دون وصول عدنان القصّار على رأس حكومة إنتقالية حياديّة من الهيئات الاقتصاديّة ورجال الإعمال. وتَخوُّف الحزب مشروع لاعتبارين: إستهدافه من الداخل، تمهيداً لاستهدافه من الخارج. وأن لا يكون الرقم الصعب في أيّ تشكيلة حكوميّة مستقبلاً.

في المقابل، فإن الصورة لدى دول "أصدقاء لبنان" غير مشرّفة. الدولة في ذروة ضعفها، فساد مالي، إداري، أخلاقي، محسوبيات وفاعليات سياسيّة ليست في مستوى ما تتطلّبه المرحلة من ترفُّع عن الخصوصيات الى مصاف المقتضيات الوطنية العليا، وانزلاق خطير نحو الخطاب المذهبي المنفلت والمدجج بالسلاح، إضرابات، مظاهرات، مطالب مشروعة وبيئة حاضنة لكل مستثمر بالفتنة.

وبكلام أكثر وضوحاً، إذا لم تُحترم الاستحقاقات الدستوريّة، فإنّ لبنان مرشّح لأن يصبح من دون حكومة ومن دون مجلس نواب، وساحة مؤاتية لكل أنواع الفوضى.

وتجنّباً لذلك تنصح "الدول الصديقة" بوجوب احترام المهل والاستحقاقات، حتى ولو لم تؤدِّ الى تغيير في الأحجام والتوازنات في انتظار ما سينتهي إليه المشهد السوري، ووضوح المعادلات الدوليّة – الإقليميّة – العربيّة التي ستفرض حضورها في الداخل وعلى دول الجوار.

هل يأتي الوحي الخارجي لاستمرار الحكومة بديلاً عن فراغ مدمّر؟ رسالة مجلس التعاون لا توحي بذلك، لأنها وضعت الرئيس ميقاتي أمام خيار صعب، إنها دعوة خليجيّة إلى الاستقالة، أو إلى الإقدام على رفع الغطاء عن الذين ينهشون من رصيد الحكومة ويستظلّون بمظلتها. وفي الحالين مخاطرة، وأبواب مفتوحة على المجهول.

وفي الانتطار، يبقى لبنان أسير انتهازية متوترة، غاضبة، محقونة، ممنوع عليه الانفجار لأنه الطريق الى الزوال وممنوع عليه الاستقرار والاسترخاء، لأن المطلوب هو أن تبقى ساحته مستنفرة غبّ الطلب لتمرير بعض الملفات عندما يؤون أوان الحلول والمخارج للأزمات المتفاقمة. ومن قال إنّ التوطين ليس من بين هذه الملفات التي تنتظر؟!

السابق
14 آذار: النهاية لن تتأخر
التالي
النهار: مصادر مطلعة: لا ترشيحات ولا تمديد للقادة الأمنيين