بانتظار اللقاء المفصلي

السباق بين الحلّ السياسي والتصعيد العسكري في سورية، لم تتحدّد ملامحه حتى الآن بصورة حاسمة في ضوء الضبابية التي تسيطر على الأداء الأميركي، إضافة إلى عدم قدرة المجموعات الإرهابية والقوى التي ترعاها وتموّلها وتعلمها، على تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض تستطيع من خلاله وحسب أوهامها أن تفرض شروطاً معينة في عملية المفاوضات والحوارات التي بدأت ولو بصورة خجولة بين الإدارة الأميركية والقيادة الروسية، التي كان آخرها لقاء لندن الذي ضم نائبي وزيري الخارجية الروسية والأميركية بوغدانوف وبيرنز.
مصادر دبلوماسية عربية تؤكد أن المفاوضات الأميركية ـ الروسية تُجرى على قدم وساق على قاعدة وجود قاسم مشترك بينهما، وهو مقررات مؤتمر جنيف الهادفة إلى ضرورة إيجاد تسوية سياسية، والحوار الروسي ـ الأميركي القائم في هذه المرحلة هو حول طريقة العمل على تطبيق مقرّرات جنيف انطلاقاً من نقطة ارتكاز، عنوانها الرئيسي أن الحلّ للأزمة السورية يجب أن يكون سياسياً وعن طريق الحوار والحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها.
وتشير المصادر الدبلوماسية العربية إلى أن الإدارة الأميركية تريد أن تكون المرحلة الانتقالية للسلطة مقدّمة إلى رحيل الرئيس بشار الأسد، في حين أن القيادة الروسية ثابتة على موقفها القائل بأن الشعب السوري هو الذي يقرّر مصيره بنفسه، ومن هي الجهات السياسية التي تحكمه وروسيا ملتزمة بهذه القناعة ولن تتراجع عنها قيد أنملة، وفي موازاة الموقف الروسي فإن الإدارة الأميركية، لم تعد تصرّ على أن يكون رحيل الأسد شرطاً أساسياً ومسبقاً لأي حوار سياسي والخطوة الثانية على صعيد عملية بدء الحوار، على أن كل جانب يسمي الجهة التي ستمثّله في أي حوار خصوصاً بعدما أبدت القيادة السورية استعدادها للحوار حتى مع المجموعات المسلحة إذا تخلّت عن سلاحها وعن الأعمال الإرهابية، وروسيا على هذا الصعيد، وكما تكشف المصادر الدبلوماسية أبلغت الإدارة الأميركية بأن المعارضة غير موحّدة لا في الشق السياسي ولا في الجانب العسكري، ولذلك عليكم كأميركيين أن تعملوا على المجيء بممثلين حقيقيين للمعارضة من أجل الحوار، لأن الدولة السورية ذهبت بعيداً في استعدادها للحوار في أي وقت وحتى مع المجموعات المسلحة.
وترى المصادر الدبلوماسية العربية، أن المجموعات الإرهابية تلقت ضربات قاصمة في أكثر من مكان على الأرض السورية، بعدما حاولت أكثر من مرة اختراق العاصمة دمشق وفشلت، وفي حلب خسرت المجموعات المسلّحة مواقع مهمّة كانت تسيطر عليها وتم فتح طريق حلب الدولية المرتبط مع مدينة الرقة، في حين أن الجيش السوري يستكمل السيطرة على مدينة حمص وريفها، أما في مدينة حماه وريفها فقد تحسّن الوضع كثيراً وفي مدينة ادلب أيضاً، وهذا يعني أنه مقابل الفشل والهزائم التي تتلقاها تلك المجموعات فهناك نجاحات وإنجازات كبيرة على الأرض يحققها الجيش السوري، بغضّ النظر عن البالونات الإعلامية من قبل محطات تلفزيونية عربية تشارك في سفك الدم السوري عن تحقيق انتصارات وهميّة للمجموعات المسلحة التي لم تستطع حتى اللحظة أن تسيطر على منطقة واحدة بشكل واضح، ولكن كل ما تفعله هو عمليات متنقلة بين هذه المنطقة وتلك والجيش السوري يتصدى لها بكل وشجاعة، ويمنعها من التمركز في مناطق مختلفة من المحافظات السورية.
وتقول المصادر الدبلوماسية إنه في ظلّ اختلال موازين القوى على الأرض السورية لصالح الدولة السورية لا يمكن للأميركي أن يفاوض مع روسيا بصورة جدية، ولذلك فإن الإدارة الأميركية ما زالت تغض النظر عن الدول التي تسلّح وتمول وترعى المجموعات الإرهابية وعلى وجه الخصوص تركيا وقطر، بانتظار تحقيق تقدّم على الأرض كما يحاول البعض إيهام الإدارة الأميركية بأنه قادر على إحراز تقدّم عسكري يمكن أن يكون ورقة بيد الأميركيين في أي مفاوضات مقبلة مع الروس، من هنا جاء تحرك المجموعات الإرهابية باتجاه مدينة الرقة ظناً منها بإمكان تحقيق «نصر عسكري» مزعوم ولكن المعلومات المؤكدة أن الجيش السوري لن يسمح لهذه المجموعات في السيطرة على مدينة الرقة، وإن حصل خرق معيّن في بعض أحياء المدينة نتيجة معطيات داخلية في تلك المنطقة، إضافة إلى عدم وجود بيئة حاضنة للمجموعات الإرهابية في الرقة، بدليل أن الآلاف الذين نفذوا الهجوم عليها ليسوا من عشائرها وأهلها.
وتوقعت المصادر الدبلوماسية العربية أن تشهد الأشهر الثلاثة المقبلة تصعيداً من قبل الإرهابيين والجهات الدولية الداعمة لهم في محاولة لإظهار أن المجموعات المسلّحة حققت تقدماً على الأرض، ولذلك فإن الأميركيين أعطوهم فرصة جديدة من خلال الاستمرار في الدعم المالي واللوجستي والسلاح لأن هناك معركة كبيرة كل طرف يهيئ نفسه لها وكما قال الرئيس الأسد بأن تركيا وقطر تحضّران لمعركة كبيرة متوهمين أنه من خلالها وقد تكون الأخيرة يستطيعون أن يهزموا سورية والجيش السوري، ولكن كل هذا من وجهة نظر المصادر الدبلوماسية لا يلغي التفاوض والحوار السياسي مع ما يتم التحضير له للقاء الرئيس الروسي والأميركي في الشهر الحالي، في حين أن اللقاء الحاسم والمفصلي بين الرئيسين هو الذي سيحصل في حزيران المقبل.

السابق
الأساسيون أسرى والطفيليون مستفيدون
التالي
قرطباوي:لإتخاذ قرار حول هيئة الإنتخابات بإجتماع هيئة الإستشارات العليا