الخليج: لبنان ليس ترضية لإيران

الرسائل الخليجية التحذيرية الى لبنان لن تتوقف في المدى المنظور. هي بداية مرحلة جديدة عنوانها الانتقال من سياسة تحييد لبنان عن الأزمة السورية الى مرحلة التعامل مع لبنان باعتباره "احدى قواعد ارتكاز النفوذ الايراني في المنطقة". قاعدة باتت تؤدي دور المعوِّق امام استكمال عملية إسقاط النظام السوري، والخندق الذي يمكن ان تتحصن فيه بقايا هذا النظام في مرحلة انتقالية قد تمتد طويلا، بقوة الاصطفاف المذهبي والطائفي.

ما يعزز مخاوف حكومات دول الخليج العربي، هو ان يشكل لبنان عائقا جديا امام انتقال السلطة في سورية. وساهم موقف الادارة الاميركية المتردّد حيال هذا التغيير، ووقوعها في فخ المراوحة، في تنامي حاجة لبنان كداعم للنظام السوري، من خلال تبلور دور عسكري وسياسي لبناني يوفر الحاضنة له، كما هي حال العراق. ولعل موقف وزير الخارجية اللبناني، في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة الاسبوع الماضي، اعطى الاشارة السياسية للوجهة الرسمية اللبنانية في تفسيرها الجديد لسياسة النأي بالنفس.

ووفرت المواجهات التي حصلت في ريف حمص الاشارة الميدانية الى دور نوعي لحزب الله في حال حدوث تحولات دراماتيكية على مستوى الصراع بين السلطة والمعارضة. اما رسالة الرئيس نجيب ميقاتي الى وزير الخارجية عدنان منصور"غير العنيفة"، حول ضرورة التزامه سياسة النأي بالنفس، فأظهرت حاجة رئيس الحكومة الى اعادة شيء من التوازن الى "النأي بالنفس". الموقف الذي بات لا يغيّر شيئاً في واقع موقف اعلن في القاهرة، لكنه يتيح لميقاتي ان يبقي خطوط الاتصال والتواصل بلا انقطاع مع حكومات الخليج العربي من دون ان يقطعها مع شركائه في الحكومة او النظام السوري.

منبع القلق الخليجي يكمن في تلمّسه ان السياسة الايرانية باتت أشد حرصا من اي وقت مضى على ضمان سيطرتها على لبنان مع التحولات الجارية في سورية، عبر انتقالها من تثبيت التحكم في المفاصل الاستراتيجية في السياسة الخارجية والدفاعية في لبنان، الى بداية العمل على السيطرة على المقومات الاقتصادية والمالية. استراتيجية بدأت ملامحها بتنشيط حركة شراء منظم لمجموعة من المؤسسات السياحية والاقتصادية من خلال رؤوس اموال ايرانية وسورية قريبة من النظام واجهتها شركات ورجال اعمال لبنانيون. وهو القطاع الذي لطالما كان الاستثمار الخليجي عنصرًا اساسيًا فيه ولا يزال، رغم تراجعه في السنوات الاخيرة. تراجع كان من ابرز مظاهره بيع متمولين خليجيين مؤسسات سياحية تردد ان ايران كانت الشاري الخفي لها.

ليس هذا فحسب. فتلك الحكومات، وعلى رأسها الحكومة السعودية، بات ينقل لبنانيون عنها استشعارها "قلق إحكام ايران سيطرتها على لبنان بأشد مما كانت عليه سلطة الوصاية السورية التي كانت تراعي مصالح عربية في لبنان ولو في الحدود الدنيا، بخلاف ما هي عليه آلية السيطرة الايرانية وتمددها الامني والاقتصادي والمالي اليوم" على حد تعبير مسؤولين خليجيين. الرسالة الخليجية عبر مجلس تعاون دول الخليج العربي، التي انطوت على تحذير من التورط اللبناني من خارج السرب العربي في الشأن السوري، ترافقت مع تداول معلومات عن نية طرد لبنانيين عاملين في دول الخليج.

امس نفى الجزء المتعلق بالمملكة العربية السعودية من هذه المعلومات النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الامير مقرن بن عبد العزيز. لكن الامتناع عن منح تأشيرات دخول للبنانيين، الى بعض هذه البلدان، بات جلياً ولا يحتاج الى اثبات. وذلك لا يمكن وصفه بالامر الجديد، فهذا الواقع نشأ منذ اقالة حكومة سعد الحريري، وتعزز مع انفجار الثورة السورية، فما الذي يحمله التحذير اليوم من جديد؟

الى ما ورد آنفا عن تمدد النفوذ الايراني، وتشكيل حاضنة لبنانية للنظام السوري، فان حكومات الخليج باتت، في مقاربتها الازمة السورية، تدرك ان سياسة ادارة الظهر للبنان والعراق التي اعتمدتها في السنتين الماضيتين لم تقلل من الخسائر السياسية ولم تحد من تراجع نفوذها في البلدين، فيما بات النظام السوري يستند اليهما في محاولة البقاء. وما أقلق هذه الحكومات ان السياسة الاميركية تزيد من ضغوطها للجم عمليات تسليح المعارضة السورية. وفي هذا الوقت الضائع، قبل سقوط النظام السوري، يبدو لبنان مرشحا لان يعود ساحة تجاذب خليجي – ايراني مع غلبة خيار داخل السلطة السعودية يدعو الى الوقوف بقوة ضدّ تحويل لبنان الى جائزة تعويض عن سورية تنالها ايران.
  

السابق
الترشيحات اليوم والانتخابات على غموضها
التالي
ذاكرة جنوبية تختزن التجارب