حزب الله يسعى إلى فراغ مؤسساتي لإحكام سيطرته على لبنان

مع اعتراض فريق "8 آذار" بشدة على توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال سليمان ونجيب ميقاتي على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة, ظهرت بوضوح تام نية هذا الفريق بتعطيل الانتخابات النيابية المقررة في يونيو المقبل, يتبعه إحداث فراغ مؤسساتي شامل يطال الحكومة ورئاسة الجمهورية أيضاً.
هذا السيناريو خطط له بعناية منذ البداية كما بينت الأحداث في المرحلة السابقة. فحكومة الرئيس ميقاتي فصلت مشروع قانون انتخابي على مقاسها, مع علم "حزب الله", القيم على هذه الحكومة, أن هذا المشروع ولد ميتاً بسبب رفض وزراء "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي يعني حتماً سقوطه في المجلس النيابي. فكانت بدعة "اقتراح الفرزلي" التقسيمي الذي قسم فريقي "8 و14 آذار" وفرز اللبنانيين مذاهب وشيعاً, ثم تم الانتقال إلى القانون المختلط, المستحيل تطبيقه, وبالتالي إقراره, كما يعلم مخترعه رئيس مجلس النواب نبيه بري, الذي أثبت مرة أخرى دهاءه وحنكته إلى أن جاء الدور على الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله ليقترح ما يمكن تسميته بـ "تعجيزة" أخرى, باقتراح لبنان دائرة واحدة مع النسبية.
وبناء على ماتقدم, يمكن القول إن المخطط نجح حتى الآن باستهلاك الوقت الذي كان مخصصاً لإقرار قانون جديد.
وتبعاً لذلك, فإن الفلتان الأمني غير المسبوق الذي ساد مختلف المناطق اللبنانية لم يكن وليد الصدفة, فالقوى الأمنية الرسمية كانت على الدوام تمارس دورها تحت سقف من التوافق مع قوى الأمر الواقع, وفي مقدمها "حزب الله". وما جرى في الأشهر الأخيرة كان إزالة هذا السقف من قبل الحزب الذي غطى الكثير من الارتكابات, وأهمها عمليات الخطف, ثم عاد ورفع الغطاء عن الخاطفين ليثبت قدرته الأمنية.
يضاف إلى ذلك انتشار الميليشيا الرديفة له المسماة "سرايا المقاومة" في مختلف المناطق, وإثارتها لإشكالات أمنية متنقلة, في طرابلس وصيدا وعرسال وحتى في عكار, وصولاً إلى بيروت التي خضعت في الآونة الأخيرة لعملية مسح أمني استباقية من قبل ميليشيات "8 آذار".
وإذا لم تفلح المناورات السياسية في تعطيل الانتخابات, فإن فريق "8 آذار" يملك القدرة على تعطيلها بالأمن, وهذه حقيقة يعترف بها الجميع.
مصادر سياسية أكدت لـ "السياسة" أن بري حسم أمره ولن يدعو إلى جلسة نيابية عامة لإقرار "الاقتراح الأرثوذكسي" رغم ضغوط "حزب الله", لأنه يعلم أن الجلسة لن تكون ميثاقية بغياب الغالبية الساحقة من النواب السنة والدروز, وقسم كبير من النواب المسيحيين, وخصوصاً بعدما تأكد من أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لن يحضرها.
وبحسب المصادر, يقضي مخطط "8 آذار" تقديم مشروع قانون لتمديد ولاية مجلس النواب, قبل موعد الانتخابات النيابية, فإذا أقر ورفضه رئيس الجمهورية ميشال سليمان, وهو ما سيحصل فعلاً, فإن فريق "8 آذار" سيصر عليه, فينتج عنه مجلس نيابي مطعون بشرعيته, عندها من الناحية الدستورية تتحول الحكومة إلى حكومة تصريف الأعمال, ولكن القيمين عليها يعتبرون أنها ستستمر بوضعها الطبيعي, وهذا أمر إشكالي آخر.
بعد ذلك, يتمدد الفراغ إلى الرئاسة في مايو 2014, إذ أنه حتى لو اعتبر فريق "8 آذار" أن المجلس النيابي الممد له شرعي, فإنه لن يكون قادراً على تأمين نصاب الثلثين لانتخاب رئيس جديد, إلا إذا انقلبت الآية وأصبح بري وحلفاؤه من أنصار مقولة "النصف زائداً واحداً" التي اشتهرت في العام 2007 مع نهاية ولاية الرئيس السابق إميل لحود.
وكذلك سيواجه خيار التمديد للرئيس ميشال سليمان الاستحالة نفسها لأنه يحتاج إلى مشروع قانون من الحكومة, أو اقتراح قانون من عشرة نواب, بتعديل الدستور وتمديد ولاية الرئيس, إلا أن قرار "8 آذار" حاسم منذ الآن برفض التمديد, وفقاً لما أعلن النائب سليمان فرنجية وغيره.
لا شك أن الوضع الحالي للمؤسسات الدستورية مزر وبعيد كل البعد عن الوضع الطبيعي, إذ تتحكم القوى المسلحة غير الشرعية التابعة لـ "حزب الله" وحلفائه, بمفاصل الحياة السياسية في لبنان, وتساعدها بطبيعة الحال بعض المظاهر المسلحة غير المؤيدة لها, إلا أن الحال أفضل مما سيكون عليه لو أسقطت المؤسسات الدستورية, لأنه سيتم تظهير الفوضى الحالية وتعميمها وتكريسها وجعلها نمطاً دائماً, ما يكرس مقولة رددها النظام السوري طوال عقود, إن اللبنانيين لا يستطيعون حكم بلدهم.
وبالتأكيد يعتبر "حزب الله", بحسب المصادر, أنه قادر على الإمساك بالبلد بقوته العسكرية, باستثناء بعض البؤر التي ستبقى, باعتقاده تحت السيطرة إلى حد بعيد, فيتم الانتقال من لبنان الضعيف إلى لبنان الفوضى.  

السابق
روسيا: لن نضغط على الأسد ليتنحى عن الحكم
التالي
المهن الخطرة وتأثيرها المأساوي على أصحابها