حزب الله يحفر الخنادق في الهرمل


ما جرى في الساعات الثماني والأربعين الماضية، سواء في أروقة الجامعة العربية أو في لبنان، أو ما سينتج عن لقاء نائب وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز ومساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع المبعوث الدولي والعربي الأخضر الابراهيمي في لندن، يُثبت أنّ التغيير الفعلي في الدينامية الأميركية والدولية تجاه سوريا، والذي تحدثنا عنه سابقاً، قد بدأ يتبلور.

مخاطبة رئيس هيئة أركان "الجيش السوري الحر" سليم ادريس المجتمع الدولي، أمام أعضاء مجموعة التحالف الليبرالي الديموقراطي في البرلمان الأوروبي، امس الأول، تعكس تطوراً سياسياً فائق الأهمية في بدء تغيير نمط التعاون مع الجيش السوري الحر "الرسمي" من الآن فصاعداً.

وقبل متابعة تلك التفاصيل، لا بد من التوقف عند ما كشفته مصادر أميركية، لجهة أنّ الملف النووي الإيراني يتّجه نحو التعقيد والعودة الى نقطة الصفر، مُبدية اعتقادها بأنّ أياً من الأطراف ليس مستعجلاً حتى الساعة لبلورة اقتراح أو مشروع اتفاق يستحق التنفيذ.

وتشير تلك المصادر إلى أنّ المعلومات الميدانية بيّنت أن إيران لا تزال بعيدة عن تحقيق اختراق ما في مجال تصنيع قنبلتها النووية، ما دفع قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا جيمس ماتيس الى القول أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأميركي أمس الأول، إنّ إسرائيل لا تزال قادرة على توجيه ضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية من دون الحاجة الى مساعدة أميركية، على رغم تفضيله الحلّ الديبلوماسي.

وإذا أضفنا الى ذلك، الإعلان الذي صدر في مجلس الأمن عن لجنة العقوبات على إيران، واتهامها بارتكاب انتهاكات جديدة لقرارات المجلس، فإنّ ذلك يكشف بعضاً من أسباب التوتر والتصعيد السياسي والميداني الذي لجأ اليه المحور الإيراني ـ السوري، بعدما تأكّد له هذه المرة جدّية التغيير في الموقف الأميركي مما يجري في سوريا.

وكشفت أوساط في البنتاغون أن وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك أكد خلال زيارته الأخيرة الى واشنطن، أنّ تل أبيب ترفض نشوء أي دويلات او مناطق نفوذ متطرّفة على حدودها مع سوريا، وتفضّل التعامل مع جهة واحدة يمكنها ضمان الحد الأدنى الضروري من المؤسسات الأمنية المستقرة بعد سقوط الأسد. لعلّ ذلك ساهم أيضاً في إقناع الإدارة الأميركية بالعمل على إعادة بناء قوة أمنية متماسكة في مواجهة القوى المتطرفة في سوريا، بعد سقوط الأسد.

وهذا ما تبلّغه وزير الخارجية الأميركي جون كيري من السعوديين الذين يرفضون منذ البداية أي تعامل مع القوى السلفية أو جماعة الإخوان المسلمين، ويفضّلون التشكيلات المنفتحة التي تريد الاستقرار، وهو ما ناقشه مع القطريين أيضاً.

وتعتقد تلك الأوساط أنّ قرارات الجامعة العربية الأخيرة والمتعلقة بالسماح لمَن يرغب من أعضائها بتقديم السلاح الى المعارضة السورية، عكَست طبيعة الاتصالات الدولية والإقليمية التي جرت في الأيام الماضية. وما الحديث عن تسليم مقعد سوريا الى المعارضة بعد تشكيلها مكتباً تنفيذياً، إلا للإضاءة على الجانب السياسي الذي يجري بلورته في الأيام المقبلة، خصوصاً أنّ كيري كان قد اعلن أن ما سيُطبّق هو اتفاق جنيف، بالتعاون مع الروس. وهذا ما سيبحثه على أي حال كل من بيرنز وبوغدانوف والإبراهيمي في لندن.

تقول مصادر قريبة من الخارجية الأميركية إنّ إيران تبدو وكأنها قد أعلنت الحرب على كل الجبهات، ما عدا جبهتها طبعاً، من العراق الى لبنان وسوريا واليمن. وتؤكد صحّة المعلومات التي نشرت عن تحويل "حزب الله" منطقة الهرمل، شمال شرق لبنان الى جبهة حرب، وتخشى من أن يُنتج هذا التورط تعقيدات، ليس على الوضع في سوريا فحسب إنما في لبنان الذي دخل حالاً من الشلل والانهيار، على رغم أنّ الحزب لا يخشى أي أعداء له، لا في الداخل ولا على الحدود الجنوبية!

لماذا إذاً كل هذا الضجيج والصخب الداخليين، سواء بالنسبة الى الانتخابات النيابية او بالنسبة الى توتير الوضع الأمني المتنقل فصولاً في المناطق اللبنانية؟ تجيب تلك المصادر بأنها للتغطية عن التورّط في الأحداث الجارية في سوريا!

فإيران التي لم تستطع التقدم في برنامجها النووي، ترى أن خسارة سياسية صافية متّجهة نحوها، لذلك قرّرت المواجهة. لكن المشكلة تكمن في لجوئها الى استعمال أدواتها البديلة، وخصوصاً "حزب الله"، الذي بات يعميه الغرور عن معرفة حدود قوته ومداها.

حتى أن "الأداة العراقية" قد لا تكون بالفاعلية والأهمية نفسها نظراً الى تعقيدات الوضع العراقي وحجم العراق وعدد سكانه ووجود جهوزية قتالية ما، لدى معظم مكوّناته الأهلية الرئيسية تقريباً.

وتقول أوساط في المعارضة السورية في واشنطن إنه من المؤسف أن يبلغ "حزب الله" هذا المدى من التطاول والجسارة، في الوقت الذي يعلم فيه أن معركته مع الشعب السوري خاسرة.

فإذا كان النظام بكل قوته وقواته وأسلحته، لم يستطع إنهاء الثورة أو منعها من تحرير المناطق الواحدة تلو الأخرى، فكيف يمكن لهذا الحزب أن يصمد في وجه هذا المدّ، وما هي مصلحته في تسميم مستقبل علاقة طائفة لبنانية كبيرة ومهمة، كان لها الى جانب الكثير من اللبنانيين شرف بذل التضحيات في العديد من المواجهات سواء الوطنية او القومية، تسميم تلك العلاقة وتدميرها مع غالبية الشعب السوري المنتفض على نظام ذاقَ منه حتى الحزب نفسه الأمرّين؟

السابق
إسرائيل وجهاً لوجه مع القاعدة
التالي
بعد اتهام حزب الله الاخير.. الانتفاضة الشعبية والثورة وصلتا بلغاريا