الطرفان يستعدّان للمعارك الكبرى 

الأنباء المتداولة، علناً، عن النشاط المتزايد للدول الداعمة للمعارضة المسلّحة في سوريا لها ما يترجمها على الأرض. ذلك ان المعطيات المجمّعة لدى غالبية المعنيين، تشير إلى حصول المعارضة، في الأسابيع القليلة الماضية، على أسلحة إضافية، كمّاً ونوعاً، وانتظارها وصول كمية جديدة وأكبر من المساعدات العسكرية والمالية قريباً.
يترافق ذلك مع خضوع عدد كبير جداً من المقاتلين السوريين لتدريبات في معسكرات، داخل سوريا نفسها، أو في تركيا والأردن وليبيا وبعض مناطق لبنان والعراق، إلى جانب تدريب تخصصي في دول خليجية أبرزها قطر والسعودية والامارات العربية المتحدة. وتتطابق معلومات المصادر الدبلوماسية هذه مع معلومات جهات أمنية عن تزايد الحضور والنشاط الاستخباراتي لدول عربية وغربية داخل سوريا، وإلى نمو النشاط الإسرائيلي أيضاً.
وبحسب ما يشير ناشطون في المعارضة السورية المسلحة، فإن هدف هذه الورشة من التدريب والتسليح والتمويل يتعلق، أولاً، برفع المعنويات ورفع مستوى الجهوزية لدفع المعارضة إلى تحقيق إنجازات ميدانية كبيرة، ووقف تقدم قوات النظام. بالإضافة إلى هدف آخر، يتجلّى في توحيد أكبر قدر من المجموعات المقاتلة، وجعلها قادرة على مواجهة النفوذ المتعاظم لـ «جبهة النصرة»، خصوصاً أن أجهزة دول عربية وأوروبية تستهدف إحتواء «القاعدة» ومتفرعاتها، وذلك لضمان أوسع دعم دولي رسمي وشعبي وإعلامي، بعدما برزت مخاوف، في الفترة الأخيرة، من تكرار تجارب أفغانستان والصومال وجزء من العراق.
على ان المهام المركزة التي تتولى الاعداد لها اجهزة عالمية وبعض اذرع «القاعدة»، تتصل ــــ حصراً ــــ بالوصول الى قيادات الصف الاول في سوريا، خصوصاً الرئيس بشار الاسد. إذ يعتقد هؤلاء ان اغتيال الاسد سيؤدي الى انهيار النظام دفعة واحدة. وهو الامر الذي تعمل الاطراف المقابلة على محاولة منعه، وعلى وضع سيناريو يتعلق بكيفية التعامل مع حدث من هذا النوع. ومع ان كثيرين من المعنيين بالمعارضة السورية لا يحبون هذا الكلام، الا ان الاكيد ان اسرائيل باتت طرفاً بارزاً في عدد من الاعمال الامنية، وتوضّحت بصمات اجهزتها الامنية الاجرامية في عدد من عمليات الاغتيال التي حصلت في الفترة الماضية.
على المقلب الآخر، لا يقف النظام، والأطراف الداعمة له، موقف المتفرج. هناك، أيضاً، تدور عجلة سريعة من أجل تحقيق سلسلة كبيرة من الخطوات ذات الطابع العملياتي، سواء من خلال تزويد الجيش السوري بما يلزمه من ذخائر ووسائل قتالية، وتدعيم برامج التدريب والتأهيل لعشرات الألوف من الجنود النظاميين والمتطوعين في صفوف «جيش الدفاع الوطني»، اضافة إلى مجموعات غير صغيرة تعمل على أساس أهلي ومحلي ضيق.
كذلك، هناك برامج عمل مكثفة لتطوير الأداء الأمني في جانبيه الاستعلامي ــــ الاستخباري والتنفيذي. وقد برزت مؤشرات على حصول تغييرات كبيرة في هذا المجال، بعدما كشفت معارك العامين الماضيين وجود ضعف كبير وترهل في الجهاز الأمني السوري، نجمت عنهما أخطاء كبيرة، وسقوط ضحايا كثر في صفوف المدنيين والعسكريين، بالإضافة إلى ظهور حالات إختراق نوعية داخل صفوف قوات النظام والعاملين معه. وتشير المعلومات إلى أن عملية التطوير تشمل الجوانب التقنية وتحسين قدرات الفريق البشري، وهي خطط عملانية أظهرت جدواها في إحباط هجومين كبيرين على دمشق ومحيطها، ووفّرت نجاحات موضعية وسريعة لقوات النظام في ريف دمشق وحمص وبعض أحياء حلب.
وعلى صعيد برامج العمليات العسكرية، يبدو ان تغييرات طرأت على آلية اتخاذ القرار الميداني، وطريقة التنسيق بين الوحدات القتالية البرية والجوية، إضافة إلى تدريب القوات على أساليب قتالية من نوع جديد، ووقف الكثافة النارية العشوائية ما يساعد في تخفيف الاصابات البشرية بين المدنيين حيث تتواجد المجموعات المسلحة.
واذا كان هدف المجموعات المقاتلة، ومن يدعمها، تحقيق انجازات ميدانية، فإن هدف النظام، وداعميه، عدم حصول أي تراجع في المواقع القائمة حالياً، وتسريع عملية «القضم» الجارية في أرياف دمشق وحمص وجنوب ــــ غرب حلب، إضافة إلى اعداد خطط تتيح تنفيذ هجمات كبيرة لوصل هذه المناطق ببعضها بعضاً، والعمل على استرجاع كامل مدينة حلب والسيطرة الكاملة على الحدود مع لبنان وقسم كبير من الحدود مع العراق.
تحصل كل هذه الأمور، فيما لا تزال الاتصالات السياسية عند النقطة نفسها: ما هي المطالب من جانب المعارضة التي يراها النظام قابلة للتحقق، وما هو سقف التنازلات الذي سيلتزمه النظام؟ لكن أياً من الأطراف الرئيسية لا يتوقع اختراقات جدية على هذا الصعيد، ما يفسر استعداد الأطراف المتنازعة للانطلاق قدماً في جولات من الاحتراب وتوقع حصول مواجهات عنيفة، هدفها اعداد جدول الاعمال للتسوية الحقيقية، وهي التسوية التي لا يمكن ان تكون مختلفة عن تسويات العراق أو لبنان، حيث تستقر السلطة من دون أن تستقر البلاد!

السابق
مادورو يعلن عن تحنيط تشافيز
التالي
القوات إلى الشمال در