تهنئة لرئيس الوزراء المصري

لا كلامَ فارغاً على الإطلاق في تصريحات رئيس الوزراء المصري هشام قنديل في مطار القاهرة بعد عودته أمس من زيارة لبغداد لا بد أن كثيرين يراقبونها داخل وخارج مصر.
حرص قنديل على تقديم جدول تفصيلي بنتائج زيارته فأعلن عن اتفاقات مع الحكومة العراقية في المجال النفطي وتحدّث عن حصول الشركات المصرية على مشاريع تنموية في العراق في مجال الإسكان وغير ذلك من الاتفاقات التجارية والاستثمارية والتدريبية التي تستند على الخبرات المصرية المختلفة.
أراد رئيس الوزراء الذي رافقه عشرات رجال الأعمال المصريين أن يقول أن تجديد علاقات مصر بالعراق يقوم على أساس واضح هو المصلحة الاقتصادية للمصريين ولم يثرثر أبدا بلغة العلاقات "القومية" حتى أنه أشار إلى أن الجانبين اتفقا على "الاعتماد على المصالح الاقتصادية وليس مشاعر الود أو الأخوة أو الدين".
فقط مصلحة البلدين أي… مصلحة مصر! وفي هذا التوجه مخاطبة تستبق سلفاً أي هجوم على الزيارة من مواقع الانقسام السياسي والمذهبي المحتدم في المنطقة أو من مواقع أخصام إيران الخمينية الداخليين والخارجيين.
الواقع وعطفاً على زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى القاهرة الشهر الماضي يبدو أن "حركة الإخوان المسلمين" في مصر بدأت تلعب لعبة تغيير في السياسة الخارجية المصرية في ما يتعلّق بالعلاقات مع إيران تريد أن تضعها –وبالتالي تبرّرها- في سياق المصالح الاقتصادية لمصر أي في سياق "القضية" الحقيقية الضاغطة على الوضع المصري وهو الاقتصاد.
وقبل أيام من زيارة رئيس الوزراء المصري لبغداد، العاصمة الحليفة لإيران والمتّكئة على ثروة من العائدات النفطية تتجاوز المائة مليار دولار سنوياً… قبل أيام من ذلك أبرمت الحكومة المصرية في طهران وبدون ضجة اتفاقا سياحيا مع إيران يقوم على تنظيم حركة للسياح الإيرانيين إلى مصر وتشجيع السياحة الدينية بصورة خاصة إلى مقامات آل البيت المقدسة في القاهرة والتي هي نوع من السياحة يتميّز بكثافته الشعبُ الإيرانيُّ بطبقاته المختلفة ولاسيما الطبقات الشعبية. وهذا الاتفاق إذا نُفّذ قد يُضفي على المشهد السياحي في الشارع المصري طابعا جديدا لا يُستهان به لأنه سيتعلق بعشرات الألوف وربما مئات الألوف من السياح ويعيد ربط علاقة مصرية إيرانية من الباب السياحي الشعبي والمتعدد الطبقات في آن معا… مما يفرض على المراقبين رصده على أصعدة متعدّدة من الآن فصاعداً.
هكذا يلعب الحكم "الإخواني" المصري لعبة خطيرة بأسلوب يعتمد "التسلل" الديبلوماسي من جهة ولغة المصالح من جهةٍ أخرى. وهذا يعني أن "الإخوان" يمشون بطريقة بطيئة في خط تغيير الحلقات التي ربطت الديبلوماسية المصرية في عهدي الرئيس أنور السادات و خصوصا الرئيس حسني مبارك بالسياسة الأميركية ولكن الأهم بالسياسة السعودية. هذا يعني أن العلاقات "الإخوانية"-السعودية الخليجية(ما عدا قطر وبصورة مختلفة عُمان) ستواصل تأزّمَها الصامت مع السعودية والصريح مع "الإمارات".
لهذا يمكن القول أن السياسة الخارجية المصرية تسلك اليوم "الطريق الصحراوي" البطيء أي بعكس الصفة التي يعنيها أهل القاهرة المتوجّهون إلى الإسكندرية من مصطلح "الطريق الصحراوي" السريع لاختصار الطريق القديم الأطول بين المدينتين.
لا شك أن هناك داخل "الإخوان" المصريين تيارا مؤثّرا يدعم تجديد العلاقة القديمة مع إيران رغم الخلافات الكبيرة الناشئة بين الطرفين وعلى رأسها بل أهمها على الإطلاق الخلاف الذي أصبح استراتيجياً حول الوضع في سوريا. وهو خلاف لا حلَّ له بينهما: "الإخوان" في دعم الثورة الشعبية وإيران في دعم النظام. ولا عودة لكل من الطرفين في هذا الموضوع. إلا أنهما في ظل قرار إعادة العلاقات بينهما يجدان في شعاري "رفض التدخل الخارجي" "الحل السياسي" في سوريا عنصرا مشتركا يسمح – شكليا على الأقل – بوضع خلافهما جانبا في علاقاتهما الثنائية.
قد يكون "اللوبي" المعني داخل "حركة الإخوان المسلمين" المصريين متأثرا بالنموذج التركي للعلاقات مع إيران: سقف للخلافات وسقف للتفاهمات وكل منها عميق وتاريخي. التفاهمات مبنية على مصالح اقتصادية عملاقة والخلافات مبنية على انحيازات جوهرية متناقضة في العلاقات الدولية والآن في سوريا التي بلغ الوضع فيها حد "الحرب بالوكالة" المباشرة بين طهران وأنقرة. لماذا لا تكون مصر في هذا الوضع أيضاً؟!
علينا أن نضيف في هذا المجال عنصر الوضع في غزة. وبالتالي تأثير الجناح "الحماسي"(من "حماس") على توجهات "الإخوان" الإيجابية نحو إيران.
المفارقة الكبيرة أن أجزاء واسعةً من النخبة اليسارية والليبرالية المصرية المشتبكة في معركة هائلة تدعو للإعجاب منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة ضد النزوع "الإخواني" التسلّطي على الدولة المصرية…هذه النخبة ذات التقاليد الاستقلالية ليست ضد التمايز المصري في السياسة الخارجية، التمايز الذي يسعى إليه بخفرٍ اليوم "الإخوان المسلمون" أنفسُهُم. لكن هذه النخبةً الوطنية – وإن كانت ليست ضد نوع ما جديد من التقارب مع إيران- إلا أنها تأخذ على "الإخوان" "صفقتهم السرية" مع واشنطن أو ما تعتبره تبعيّتَهم لها.
بهذا المعنى فإن للثورة المصرية بشقّيها الديني والليبرالي دينامية مشتركة على مستوى السياسة الخارجية. والتعبيرات الصراعية داخلية وكثيفة لكنها بصورة ما ستصنع "سياستها الخارجية" المختلفة عن ما قبل الثورة عاجلاً أم آجلا.
لنراقب التحرّك وكِلْفَتَهُ.

السابق
تنحي الأسد في يد المرشد الإيراني
التالي
حتى يبقى لهم مطرح في لبـنان