تنحي الأسد في يد المرشد الإيراني

الذهاب من دمشق إلى موسكو، وبالعكس، لا يحتاج، من الناحية الجغرافية، إلى ترانزيت إيراني، حتى في ظل فتوى دينية إيرانية بأن سورية هي المحافظة رقم 35 لإيران، غير أن للسياسة حدوداً وتضاريس وطرقاً تحتم الهبوط الاضطراري لرحلة وزير خارجية الأسد في طهران.

هي طائرة وليد المعلم وزير خارجية دولة الأسد «القادمة»، وليست الحالية التي يجري التفاوض في شأن الفكاك منها، وهو المعلم الذي يذهب إلى موسكو وفي جعبته عرض تفاوضي «مداور» يلقيه في وجه العالم عبر البوابة الروسية «الحكومة السورية جاهزة للحوار مع كل من يرغب بالحوار بمن في ذلك من حمل السلاح»!. المعلم ذاته، وقبل أشهر معدودة، كان قد أكد أن الحوار سيتم بعد القضاء على الجماعات الإرهابية وتطهير البلاد منها، فما سر الفارق بين اللهجتين؟.

لا يبدو أن ثمة معنى واقعياً لكثير من التحليلات الإستراتيجية التي قد ترد أسباب هذه الانعطافة إلى حصول متغيرات في موازين القوى على أرض الميدان لصالح المعارضة، بسبب حصول هذه الأخيرة على شحنات من الأسلحة النوعية، وبخاصة تلك المضادة للدروع والطائرات، ذلك أن مشكلة النظام لم تكن يوماً بالعتاد الذي يفقده في مواجهة الثوار، ولا يهتم تالياً بأنماط الأسلحة التي يستعملها هؤلاء ضده ما دامت محركات اشتغاله تعمل على مبدأ «قاتل أو مقتول».

كما أنه لا معنى للقول إن هذا السلوك السياسي الجديد هو محض مناورة سياسية يلعبها حكام دمشق بعد أن أدركوا نجاح التكتيكات السياسية الجديدة المعارضة الخارجية، واحتمال أن تحدث فارقاً في التعاطي الدولي مع الأزمة السورية، بخاصة في ظل الحديث عن إمكانية تبلور مقاربة أميركية جديدة للأزمة.

لكن، هل غير العدمية السياسية قد تفضي إلى مثل هذه التصورات؟ ونحن نحلل سلوك نظام يوصف بإتقانه المناورة السياسية وقدرته على تحقيق المكاسب عبرها، ومراهنته الدائمة على عنصر الوقت في نظريته السياسية، ألا يصير نوعاً من التجديف السياسي القفز إلى خلاصات ومآلات تحمل شبهة الانحياز إلى التبشير بيأس النظام، أو نجاح الثورة في إيصاله إلى هذه المرحلة؟

ليس الأمر على هذه الشاكلة ولا تلك، بل هو نتاج لصيرورة متغيرات استدامت لعامين متواصلين، استخدم النظام فيهما كل أدواته وأسلحته، السياسية والعسكرية، في سياق فعل إعادة تشكيل سورية، على طريق تشكيل المنطقة برمتها، وفي هذا الإطار جرى ترسيخ جملة من المتغيرات، مثل تدمير المدن الأساسية والتأسيس لفوضى اجتماعية وسياسية معمّمة، ونحن الآن أمام حالة اكتمال تحقق إنجاز المشهد الجديد، بانتظار بعض التفاصيل التي سوف يتم إضافتها إلى المشهد، وهي التي قد تحتاج إلى بعض الوقت لتحقيقها.

يتزامن ذلك مع تأسيس بيئة إقليمية حاضنة ومشجعة لسياق هذه التطورات، وبخاصة في العراق المجاور، الذي رفع سنّته شعار»المالكي أو العراق»، في محاكاة معاكسة للشعار السوري الشهير»الأسد أو نحرق البلد»، وكذا لبنان الذي يترنح تحت تأثير قانون انتخابي «كانتوني الطابع».

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن المدرك السياسي لـ «جماعة الحكم» في دمشق، بات على مشارف القناعة بلحظة وصول سورية والمنطقة إلى القبول بشرعية قيام الكيان العلوي، ما دامت اللحظة هي لحظة استنهاض الحس المكوناتي ونهوض الصراعات الأهلية على أسس مذهبية، وما دامت بروباغندا التطرف وخطر إبادة الأقليات قد لاقت صدى واسعاً في وجدان العالم كله. هنا قد تلعب المعطيات دورها في ترسيخ قناعات النظام في توجهاته هذه، خصوصاً بعد أن أصبح يقاتل من رصيده البشري الصافي، وانتهاء مرحلة القتال بفائض ما كان يملكه من جنود الطرف المقابل، أو اقتراب وصوله من هذه الحافة، فضلاً عن اقتراب نفاد موارده المالية التي تمكنه من إدارة البلاد بكاملها، وقناعة مموليه الإقليميين بعبثية هذه العملية، وضرورة حصرها في أطر ذات جدوى أكبر.

النظام ليس بصدد مناورة لكسب الوقت، بل هو اليوم، أكثر من أي يوم سبق، أمام حقيقته، لذا فلم تكن عبثاً إشارة المعلم إلى الحوار مع المسلحين وتأكيده أن «الإصلاح» لا يكون بإراقة الدماء وإنما بالحوار، فالرجل يعرف تماماً أن الحديث عن الإصلاح أصبح خارج سياق الزمن، ويعرف شروط سياسيي المعارضة وعسكرييها، ويعرف أن شرط رحيل الأسد يأتي على رأس أولويات هذه الشروط، وهذا الشرط هو ما يشرعن تالياً قضية البحث عن حلول شرعية، باعتبار أن الأسد أيضاً يملك قاعدة شعبية لا تقبل بالتعايش مع المسلحين تحديداً الذين يتم وصمهم بالانحياز لطرف أهلي معين وانتماؤهم له.

وفي ظل هذه اللحظة المكثفة لحالة التموضع الجديدة للأزمة السورية في الإطار الجيو إستراتيجي للمنطقة والعالم، تصبح روسيا طرفاً خارجياً، وإن بدت وكيلاً مفاوضاً، في مقابل إعلان مرشد إيران، وبشكل رسمي وواضح ومن دون الحاجة إلى المناورة، كمرجع وقائد للجبهة التي يقاتل الأسد على أحد أطرافها. وفي ذلك إحالة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي يأمل أن تقوم موسكو بإقناع الأسد بالتنحي، بأن عليه أن يقنع المرشد علي خامنئي أولاً وأخيراً.

السابق
14 آذار تتجه لإطلاق حركة جديدة!
التالي
تهنئة لرئيس الوزراء المصري