المرسوم المفخخ


يبدو أن الموقف منسّق بشكل جيّد بين رئيسي الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي من جهة، والمواقف «الخارجية» حيال الانتخابات في لبنان وقانونها وموعدها وربما كل تفاصيلها الدقيقة من جهة ثانية، وهو ما عبّرت عنه الولايات المتحدة الأميركية عبر سفيرتها في لبنان مورا كونيللي، التي دعت في بيان رسمي إلى الالتزام بموعد الانتخابات، إضافة إلى الموقف الأوروبي بهذا الشأن، الذي عبّرت عنه باريس لدى استضافتها قيادات لبنانية الشهر الماضي، بالتزامن مع إطلاق الحديث عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على قاعدة قانون «الستين» في لبنان.
غير أن التنسيق الكامل يظهر جلياً بين رئيس الحكومة الحالية وسلفه سعد الحريري، اللذين التقيا رغم خلافاتهما على أكثر من موقف خلال الفترة الماضية، لكن الأوضح فيها هو التطابق في المواقف بينهما حول قانون الانتخاب، إن لجهة رفض مشروع القانون الأرثوذكسي، أو لجهة قانون «الستين» الذي أُلبس أكثر من لبوس إذ كان الأبرز اقتراح الحريري حول الدوائر الصغرى الخمسين، الذي لم يكن إلا قناعاً أو تحايلاً «رقمياً» على القانون الأساسي الذي يعيد إنتاج البلد على أسس طائفية يتقاسمها ذوو النفوذ أنفسهم.

توافق الرجلين في المواقف الرئيسية ليس شخصياً لأن المسافة التي تبعدهما عن بعضهما إن من خلال تضارب المصالح أو الصراع على النفوذ والزعامة، ترعى فيها الغزلان، بل لأن «الرئيسين» المتناحرين ينتظمان في مشروع واحد لا يسمح القيّمون عليه بتعثّره لأسباب «تافهة» في وقت يحتدم فيه الصراع الأكبر في المنطقة التي تخبئ نارها تحت رمادها، ذلك أن الأمور تقترب من لحظة الانفجار كلما اقترب الجيش السوري من تسجيل نقاط إضافية في معركته ضد المسلحين الذين يخوضون الحرب في سورية نيابة عن التحالف العربي – الغربي الذي ينضوي تحت عباءته رئيسي الحكومة اللبنانية «المتطرف»، و»الوسطي».

لم يكن التوقيع الرئاسي الثنائي الجمهوري – الحكومي على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على قاعدة قانون الستين إلا خطوة هجومية معاكسة ضد مشروع الأكثرية النيابية الذي أقرته اللجان البرلمانية وتمّ رفضه من قبل ممثلي «التحالف الأكبر» في الصراع الدائر بجزئه اللبناني، إذ أن ما أجري من دراسات على معظم مشاريع القوانين التي طرحت كخيارات (النسبية، أو المختلط) قبل التصويت الأخير على «الأرثوذوكسي» أظهرت أن أيا من فرقاء الأقلية، لا من السنّة، ولا من الدروز، ولا من المسيحيين، سيحظى بمساحة كافية لبسط نفوذه في التركيبة المقبلة للبلد، كما ظهر أنه حتى التوظيف المالي الذي تعتمد عليه «إدارة» المشروع لبلوغ السلطة في لبنان لن يجدي نفعاً، فيما ظهر أيضاً أن سلاح المال الذي تمّ تجهيزه لخوض المعركة الانتخابية لن يحقق النتيجة إلا من خلال الدوائر الصغرى «الخمسين» أو قانون «الستين»، وذلك استناداً الى التجربة التي خيضت في أكثر من استحقاق كان آخرها في انتخابات 2009، ناهيك عن تيقن حلفاء تلك الإدارة بأن خصومهم لا يستطيعون مجاراتهم في هذه اللعبة لعدم قدرتهم عليها وهو ما أثبتته وقائع الانتخابات الماضية.

وفي هذا السياق فإن «الراعي» الخارجي لاستحقاق الانتخابات النيابية يرفض دفع أموال الاستحقاق ما لم تكن نتائجه مضمونة، وهو ما حاول التحقق منه في خلال اجتماعات عدّة عُقدت لهذه الغاية في السعودية الممول الرئيسي، منذ فتحت المملكة الأبواب أمام ميقاتي لاستطلاع رأيه حول الاستحقاق وموقعه فيه، والذي سرعان ما أعلن عنه من خلال تصديه لمشروع القانون الأرثوذوكسي، أو تمسكه بمقعد دائرته متخلياً عن حكومة يعرف أنها لن تخدمه في طموحاته السياسية القيادية.

ليس صحيحاً أن التوقيع على المرسوم «الملغوم» أو «المفخخ» يهدف إلى جرّ الأطراف باتجاه قانون توافقي أو مساحة مشتركة للعبور باتجاه إعادة إنتاج «التوافق العام» في البلاد، بل أدخلها في مرحلة جديدة كلياً من الانقسام المرتبط بشكل كامل بأزمة المنطقة واصطفافاتها بعد المواقف الدولية والإقليمية التي أعلنت حول الاستحقاق الانتخابي اللبناني، وأمعن فرزاً بالأطراف السياسية، وكشف أن «النأي بالنفس» لا يعبر عن الواقع ولا يمارس إلا عند اللزوم، في وقت ينحاز فيه صاحب هذه النظرية لاعتماد مواقف منحازة تخدم مصالحه وربما قناعاته وانتمائه.

السابق
62% من الممرضات يتعرضن للإساءة و10% للعنف الجسدي
التالي
عطر جديد من نيزك روسيا !