التسوية المفقودة تفتح الصراع على الإنتخابات

انقسمت الآراء حول تفسير الموقف المتأخر الصادر عن السفيرة الاميركية في لبنان مورا كونيللي حول ضرورة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها.

البعض سمع وفهم ان واشنطن تعمل لإنجاز الانتخابات وفق قانون الـ 60 كونه يضمن فوز المجموعة المتحالفة معها، ذلك ان الوقت المتبقي اضافة الى المواقف المتناقضة، لم يعد يسمح بإنتاج قانون انتخابات جديد.

اما البعض الآخر فإنه رجّح بأن يكون هدف واشنطن زيادة الضغط على جميع الفرقاء او بمعنى آخر "التهويل" عليهم من اجل تليين مواقفهم والقيام بتنازلات تسمح بالتوصل لانجاز قانون جديد، وذلك في عز طرح المشاريع ما بين الفرقاء وهو ما يفسر توقيت الدخول الاميركي على الخط. ويعتبر اصحاب هذا الرأي ان الاولوية لواشنطن في هذه المرحلة هو الاستقرار الامني، والذي سيصبح مهدداً بشكل كبير في حال استمرار النزاع السياسي حول الانتخابات وفتح ابواب التمديد.

لكن النتيجة التي افضت اليها "الحركة الاميركية" جاءت "فالصو" على مستوى ايّ من التفسيرين، ذلك ان آخر المعلومات حول المساعي الدائرة لانتاج قانون توافقي يحظى بموافقة "المستقبل" و"الاشتراكي" و"القوات" و"الكتائب" والرئيس نبيه بري في المرحلة الاولى، إنما اصطدم بجدار المواقف المتصلبة والمبنية على حسابات "حيوية". فـ"الاشتراكي" ومعه "المستقبل" يشعران ان الظروف تلعب لمصلحتهما، ذلك أن الوقائع باتت تعطي احتمالاً من اثنين: اما الذهاب الى الانتخابات وفق قانون الـ 60 كونه ما يزال حتى الساعة القانون الاجرائي الوحيد، او اضطرار القوى المتضررة منه لتعطيل الانتخابات وبالتالي الذهاب الى تمديد ولاية المجلس النيابي، وفي هذه الحالة يتحمّل هذا الفريق المسؤولية المتأتية عن هذه الخطوة.

في الوقت نفسه يحافظ "الاشتراكي" و"المستقبل" على قوّتهما النيابية لانّ أيّ قانون آخر سيؤدي الى تقليص حجمهما النيابي. لذلك، أبلغا أمس رفضهما القاطع الدخول في تسوية على اساس مبادرة الرئيس بري، والقائمة على مبدأ المناصفة بين نواب الاكثري ونواب النسبي.

في المقابل تشعر "القوات اللبنانية" انها باتت امام حسابات مختلفة ودقيقة للغاية. فمن جهة هنالك المصداقية امام الشارع المسيحي، ومن جهة اخرى (وهذا هو الاهم) تدرك جيداً انّ ايّ عودة الى الوراء ستجعلها مكشوفة امام "تأديب الحلفاء". فوليد جنبلاط مثلاً كان قد ابلغ جعجع انه لا يضمن له ادراج جورج عدوان ضمن لوائحه، اضافة الى علامات استفهام حول دوائر بيروت الاولى وعكار وحتى حول بعض مقاعد زحلة.

كما أنّ "الاقتراع الملتبس" لبعض القوّاتيين في الانتخابات البلدية لبلدة القبيات والذي وضعه البعض في اطار "رد التحية" للمستقبل على الانتخابات الفرعية في الكورة والاصوات السنية، انما لا بد من ان يكون له ثمنه مستقبلاً .

لذلك ربما يجد الدكتور سمير جعجع نفسه ملزماً بالاستمرار في موقفه الهجومي ضد قانون الـ 60. وهذا ما عبّر عنه في مواقفه الاخيرة المختلفة، لا سيما حين اشار الى ان البعض يخطىء في الاعتقاد بأن عامل الوقت سيعيد انتاج قانون الـ 60.

في المقابل تبدو حسابات "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" ومعهما الرئيس نبيه بري وتيار "المردة" في حكم الرفض النهائي لقانون الـ 60 تحت ايّ ظرف كان، حتى ولو فرضته "امّة الدنيا كلها". لكنّ هذا الفريق يدرك جيداً ان قانون الـ 60 الذي مات انما ما يزال في حاجة لصدور مراسم الدفن.
وتقول المعلومات إن التشاور بين اطراف هذا الفريق يدور حول الصيغة الكفيلة بإتمام كل معاملات الوفاة.

وصحيح ان احدى الصيغ تتضمن احالة مشروع اللقاء الارثوذكسي الى الهيئة العامة لمجلس النواب، الّا ان البعض يتحدث عن ثغرات قانونية على اساس ان قانون الـ 60 يبقى ساري المفعول طالما أن رئيس الجمهورية لم يصدر القانون في الجريدة الرسمية.

اضافة الى ان هناك ثمة مخاوف من تراجع احد الاحزاب المسيحية عن موقفه تحت الضغط، وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عندما جزم قائلاً إن "المشروع لن يصل الى مرحلة احالته الى المجلس الدستوري"، وكأنه يشير الى تراجع احد الفرقاء عن تأييده في مجلس النواب.

لذلك فإن المشاورات الجارية تحدثت عن خيار ثان سيجري اعتماده في مجلس النواب يجري التكتم حوله، ويؤدي الى دفن قانون الستين ولو على قاعدة فراغ "واقع الحال" من وجود ايّ قانون للانتخابات.

ووسط كل هذه الجلبة، تبقى النصيحة التي رددها احد الذين التقتهم السفيرة الاميركية حين قال: من المستحيل اجراء الانتخابات على اساس الـ 60. ولنكن واقعيين، هذا سيؤدي الى ضرب الاستقرار الامني في لبنان على نطاق واسع.

وعلى رغم المواقف التي تطفو على سطح الاعلام، الّا ان العاصمة الاميركية تدرك جيداً دقة هذا الاستنتاج في ساحة باتت تختزن كل عناصر الاحتقان الاقليمي والصراع العنيف الدائر. فعدا المعلومات التي باتت تملكها حول تفاصيل تتعلق بالتنظيمات المتطرفة واماكن تمركزها والاستعدادات التي تقوم بها، فإنها نقلت معلومات الى السلطات اللبنانية منذ مدة غير بعيدة حول وجود من يخطط للاعتداء على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس نبيه بري.

كما انه ومنذ حوالى السنة جرى الحصول على معلومات دقيقة من مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، حول وجود مخطط لاغتيال رئيس مجلس النواب إضافة الى قائد الجيش العماد جان قهوجي من خلال استهدافهما بصواريخ موجهة.

صحيح انّ هذه المخاطر كلّها تعني وجوب ترميم الساحة السياسية لسد ما امكن من الفجوات الامنية ما يحتّم اجراء الانتخابات النيابية، لكن الصحيح ايضاً ان محاولة اجراء هذه الانتخابات على اساس تحقيق انتصار لفريق على آخر ومن دون الاخذ في الاعتبار وجود تسوية سياسية تشمل الجميع، ستدفع البلد بسرعة اكبر نحو الفوضى الامنية حتى قبل الوصول الى صناديق الاقتراع.

السابق
عدنان منصور
التالي
قدم ميسي من ذهب في اليابان