النبطية ذاكرة المكان والعمران

في الوقت الذي كانت ثقافة "الكلاشينكوف" وحدها الآسرة لأبناء جيله إمتشق علي مزرعاني (49 سنة) كاميرا الـ"زنيت" الروسية ليوثق بها الحوادث الحاصلة في قرى النبطية إبان الوجود الفلسطيني ثم الإحتلال الإسرائيلي وما تلاه من حوادث أمنية وسياسية وعمرانية، الى جانب شغفه بجمع الصور القديمة المؤرخة لـ"التاريخ النبطاني" بعدما بعثرها الزمن، وكأنه كان يدرك يومذاك أن لهذه الصور "الحية" اهمية ما في عصرنا الحاضر!

لم يدخل "المخزون" المصور الذي جمعه المؤهل الأول مزرعاني منذ العام 1982 حتى يومنا هذا حيز الاهتمام الجدي لديه، إلا بعد دخوله المؤسسة العسكرية حيث اكتشف أهمية ما إلتقطه من "صور سبب بعضها توقيفه من الفلسطينيين والصهاينة"، وفق ما يرويه لـ"النهار"، مؤكداً أن "شغفه لنقل الصور والحوادث دفعه الى إلتقاط ما تيسر من صور خلال خدمته العسكرية، رغم القيود المفروضة على ذلك، الى أن تم نقله الى قسم الصحافة العسكرية بصفة مصور لمديرية التوجيه في الجنوب، ما سهل مهمته منذ العام 1991". ولفت الى أنه "بعد سنوات من تراكم الصور والأخبار المؤرشفة لـ"التاريخ النبطاني" شعرت بمسؤولية تجاه صوغ هذا التاريخ، من دون الدخول في المواقف والتفاصيل، إذ تعددت الكتب التي تروي الحوادث بالكلمات المطولة، لكن قليلة هي الكتب التي تحاكي التاريخ من زاوية الصور الحية. من هنا كانت تجربتي الأولى مع كتابي "النبطية في الذاكرة 1860-1999 و "قضاء النبطية في القرن العشرين"، الى أن وقعّت أخيراً "كتاب النبطية: ذاكرة المكان والعمران".
وعن الكتاب التراثي الأخير يقول: "الصورة بالنسبة إليّ حياة، لهذا بعدما تراكمت لدي كمية هائلة من الصور لمنازل تراثية بعضها هدم وبعضها لا يزال قائماً لكنه مهمل، سعيت الى جمعها في كتاب يروي عن كيفية إنتقالنا من منازل قديمة مزخرفة الى منازل البلوكات الإسمنتية. حتى أني حاولت أن أربط كل منزل بصاحبه وزمن بنائه ومن هدمه وكيف لم يحافظ عليه، كي تبقى هذه المعلومات شاهدة على ما عاشته النبطية من زحف عمراني أطاح بكل ما هو قديم وجميل على مرأى من أعيننا جميعاً".
ما كان حلم مزرعاني بجمع صوره "التراثية" في كتاب لولا جهود الخيريين، فـ"بلدية النبطية ساهمت مع النادي الحسيني، وعلى رأسه إمام المدينة الشيخ عبد الحسين صادق، بأن يبصر هذا الكتاب النور، فضلاً عن بعض المؤسسات العاملة في مجال البناء". لكن هل يشكل هذا الكتاب بعد ما وثقه عمّا أرتكب من جريمة بحق المنازل التراثية في المدينة حافزاً لحماية ما تبقى منها؟!   

السابق
المحكمة العسكرية تطلب الاشغال الشاقة المؤبدة لمحمود الحايك
التالي
موظفو القطاع العام في النبطية اعتصموا امام السراي