هل الفتنة باتت أمراً واقعاً؟

أيّة متابعة لردّ فعل البيئة السُنّية من طرابلس شادي المولوي إلى كويخات عبد الواحد وصولاً إلى عرسال محمود الحميد وعبرا أحمد الأسير، تُظهر تبدّلاً في المزاج العام لهذه البيئة، إذ إنّه لم يعد في وارد التسليم بمعادلة أنّ لبنان محكوم من قِبل «حزب الله» والاكتفاء بالرهان على التطوّرات الخارجية لتبديل هذا الواقع.

تَعَامَل "حزب الله" مع الصعود الإسلامي على أنّه يخدم مصلحته من زاويتين: يبرّر مواصلة تمسّكه بسلاحه كون التسلّح لم يعد يقتصر عليه وحده، ويؤدّي إلى إضعاف "المستقبل" وإرباكه. وفي المقابل حاول بطرُق غير مباشرة إبقاءَه مضبوطاً وتحت السيطرة، ولكنّه لم ينجح بفعل الدينامية الإسلامية التي تستمدّ قوّتها وصلابتها من المشهد السوري معطوفة على الظلامية التي تعرّض ويتعرّض لها أهل السُنّة منذ اغتيال الشهيد رفيق الحريري.

ولكن تبقى الأزمة السورية هي الأساس، إذ لو افترضنا أنّ الواقع اللبناني يسوده الاستقرار والعدالة والمساواة بين الجماعات والمواطنين تحت سقف الدولة، إلّا أنّ مشهد الدم السوري اليومي كان كفيلاً لوحده بهزّ الأرض اللبنانية، فكيف بالحريّ في ظلّ وجود عاملين مترابطين مشجّعين للحركات الإسلامية لمواجهة الواقع القائم: هيمنة "حزب الله" على القرار السياسي اللبناني وسعيه لتدجين الطائفة السنّية ومصادرة قرارها، وانخراطه في المواجهة السوريّة ضدّ السُنّة.

يخطئ البعض في تصوير الحركات الإسلامية بأنّها مسّيرة من قِبل "حزب الله" وأجهزة المخابرات، وإن كان هذا الواقع صحيحاً قبل الخروج السوري من لبنان، إلّا أنّه أخذ في التبدّل التدريجي بعد هذا الخروج وبفعل ممارسات الحزب قبل 7 أيّار وبعده وصولاً إلى إسقاط الحكومة الحريرية والدفاع عن النظام السوري، وكلّها عوامل وضعت أيّ مسلم في حال من العداء مع الحزب، بمعنى أنّ الجامع بين هذه الحركات عداؤها للحزب ورفع المظلومية عن أهل السُنّة.

وعليه، أسقطت الوقائع مقولتين: مقولة تحرّك الإسلاميين بـ"الريموت كونترول" السوري-الإيراني، ومقولة استخدامهم في مواجهة "المستقبل"، ولا بل إنّ إمعان "حزب الله" في التدخّل سوريّاً وتجاهل الغبن لبنانيّاً أدّى إلى تصليب عود هذه الحركات وازدياد الالتفاف حولها، ما أفقد أيّ إمكانية لإخضاعها، وأيّ محاولة من هذا النوع لا بدّ أن تقود إلى فتنة لا أحد يعرف كيف تنتهي.

وفي هذا الإطار بالذات جاءت إطلالة السيّد حسن نصرالله الذي بدأ يستشعر بقوّة خطر هذا الواقع، خصوصاً أنّ السيّد يملك من المعلومات ما ليس متوافراً للرأي العام حول حجم انتشار هذه الحركات وتسلّحها وتمدّدها، وبالتالي رفعُه للصوت جاء من باب إحالة هذه المهمّة التي هو مسبّبها إلى الدولة قبل أن يضطرّ إلى التعامل معها وجهاً لوجه.

ولكنّ ما فات السيّد نصرالله أنّ المسألة أصبحت أكبر من قدرته على لجمها، لأنّ زمن 7 أيّار ولّى إلى غير رجعة بفعل الربيع العربي والثورة السورية، ومعالجة هذه المسألة لا تتم بالقوّة المباشرة أو غير المباشرة، فيما حلّها بسيط جدّاً، وذلك عبر إخراجها من باب الصراع السنّي-الشيعي ووضعها في الإطار الوطني الذي وحده يؤمّن الحماية والمظلّة للبلد وجماعاته ويعيد هذه الحركات إلى حجمها الطبيعي.

لا أحد من اللبنانيين يريد أن تنزلق البلاد إلى الفتنة، لأنّ مشاهد الحرب الأهلية ما زالت ماثلة في مخيّلتهم وواقعهم، وإبداء التعاطف مع الأسباب الموجبة التي تدفع الإسلاميّين إلى التحرّك ورفع الصوت ضدّ الظلم، لا يعني تأييدهم ولا تأييد – بطبيعة الحال – "حزب الله" الذي بسلوكه ومكابرته وتمسّكه بسلاحه يعطي المبرّر لهذه القوى لكي تنتهج نهجه بالتسلّح على قاعدة السلاح يواجه السلاح.

فتحتَ ذريعة أنّ الحزب يساند كلّ شيعيّ مظلوم في العالم وتحديداً في سوريا، ستجد القوى الإسلامية من قندهار إلى بغداد ودمشق لبنانَ مسرحاً لها لمساندة أهل السُنّة على رفع مظلوميّة "حزب الله"، وبالتالي انزلاق لبنان نحو الحرب الحتمية، هذه الحرب التي باتت على الأبواب، وتجنّبها لن يكون إلّا من البوّابة السورية التي عطّل اندلاع الثورة داخلها استعادة لبنان إلى حضن الأسد، فيما استمرار هذه الأزمة بدأ يشكّل خطراً حقيقيّاً وداهماً على لبنان…

كلّ هذه الوقائع تؤكّد أنّ الفتنة باتت أمراً واقعاً، وعدم مقاربة هذه القضية بجدّية وسرعة ومسؤولية سيؤدّي إلى إشعال الساحة اللبنانية، خصوصاً في ظلّ الأزمة السوريّة المفتوحة…

السابق
القوات الاسرائيلية تشق طريقا تربط الحدود بمنتزهات الوزارني
التالي
القتال في سوريا يُغرق حزب الله