لبنان الساحة..”راجع”!

ربما يصدم اللبنانيون بتذكيرهم ان قدرهم القديم والحديث جعلهم الشعب الاكثر تكيفا مع الازمات، ولذا لم يعد مستغربا ان تطل عليهم الآن أزمة دستورية كبيرة اضافية.
مع ذلك تبدو هذه الازمة الطالعة، على رغم قلة متبقية من الرهانات على شيء ما يفرخ في اللحظة الاخيرة لتجنب تكريسها، قائمة على كثير من العوامل المتغيرة عن سابقاتها من الازمات الدستورية.
خطورة الامر لا تتصل فقط باجتهادات يجري اعدادها لتسويغ تأجيل محدود للانتخابات النيابية لا أحد يدري كم سيبقى محدودا او انه سيفتح الطريق واسعا في وقت لاحق امام منظومة "تمديدات" للمجلس النيابي وسواه، بل يتجاوز ذلك الى خطر حتمي على النظام السياسي والدستوري برمته ربما للمرة الأولى منذ الطائف. ذلك ان الازمة الدستورية المهرولة ان قيض لها ان ترسخ اقدامها على المشهد اللبناني، لن تربط لبنان بالحرب السورية وتطوراتها فحسب بل بالصراع الدولي والاقليمي المتفجر والمتفاعل على نار هذه الحرب. وانهيار المحاولات الاخيرة لتحصيل توافق لبناني ولو على عجل ينقذ الاستحقاق الانتخابي، لن يكون سوى انهيار للطبقة السياسية والمؤسسات الدستورية اللبنانية باسرها ومعها النظام برمته، وليس اقل من ذلك.
وهو واقع تثبته نقطة جوهرية اساسية في طبيعة الازمة الدستورية التي يمثل شبحها بقوة وهي انها لن تكون سوى نتيجة فشل المؤسسات والقوى اللبنانية في تجنيب لبنان الالتحاق بشرور المنطقة عبر "الاحتماء" بالنظام وتلبية موجباته ومواعيد استحقاقاته.
لا يعاني لبنان اليوم ازمة نظام. حتى مع الانقسام العمودي الهائل في واقعه، لم يكن النظام في حالة سيئة منذ امكن تجاوز الفراغ الرئاسي، آخر الازمات الدستورية، عام 2008. والادهى من ذلك ان النظام صمد ايضا حتى مع "الانقلاب" على الحكومة السابقة، ومرور سنتين حتى الآن في ظل الحكومة الحالية. والاسوأ ايضا وايضا ان الازمة الطالعة تفتقر الى مسوغ قانوني ودستوري يبررها، اذ ان الحرب المقدسة على قانون الستين لا يفترض اطلاقا ان تسوغ الخروج على مبدأ الزامية الانتخابات وفق القانون النافذ متى استحال التوافق على بديل منه.
هذا يعني بالمنطق الدستوري الخالص ان "شيطنة" قانون الستين في موازاة احباط تشريع قانون توافقي بديل منه، هما وجهان لعملة واحدة هي التواطؤ قصدا او عفوا، بحسابات مدبرة او بحسابات خاطئة غير متبصرة، على النظام بأيدي حماته وقواه السياسية قاطبة. وما لم يفعله الامن السائب والحدود المستباحة يكمله وسط "مؤسساتي" وسياسي عريض لفتح لبنان على ازمة دستورية لن تكون الا نذيرا لرجوعه مرة اضافية، الى وظيفة الساحة الملحقة بجوارها الملتهب.

السابق
المطالبة بإنترنت للحيوانات !
التالي
مخاوف من التردّد الأميركي