كيري: جولة العواصف


الكشف الذي ساقته بعض الصحف الأوروبية والأميركية نهاية الأسبوع الماضي، حول تدريب عناصر سورية معارضة تابعة لـ»الجيش السوري الحر» في الأردن، يعني نقل المواجهة الدولية العسكرية والأمن ية مع الحكومة السورية من «السر» إلى «العلن»،الأمر الذي شكّل في الوقت نفسه العامود الفقري للجولة التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى أوروبا والشرق والأوسط وعدد من دول المنطقة لمناقشة الأزمة السورية، في إشارة إلى محورية الدور الأميركي في الصراع الدائر على سورية ودورها وموقعها في أية تركيبة سياسية جديدة مقبلة.
يعدّ هذا الكشف عن عمليات التدريب التي يقوم بها الأميركيون بشكل مباشر، والذي ما كان ليحصل لولا موافقة الأميركيين عليه لا سيما في التوقيت الراهن، دفعاً قوياً لحلفاء أميركا الجدد في المنطقة، ويشكّل ورقة الالتزام الأميركية تجاه متابعة هذا التحالف مع الحلفاء العرب من جهة، ونظرائهم الأوروبيين من جهة ثانية، بعد شكوى دول «القارة العجوز» الرئيسية مما وصفته «تذبذب» الموقف الأميركي من تلك الأزمة والمرشّحة للتصعيد والتصاعد على ضوء تحرّك واشنطن الأخير، عبر جولة كيري التي لم توحِ أبداً بأنها «جولة استماع» باعتبارها الأولى له بعد تسلّمه منصبه الشهر الماضي، بحسب وصف إدارته لها، بل لتسجيل «موقف متقدّم» من مجمل الملفات حيال دول «المحور الممانع» دفعة واحدة.
إشارات عدة رافقت جولة كيري تلك، فإضافة إلى ذلك الكشف عن التدريبات في الأردن، كان الموقف البارز عن موافقة الولايات المتحدة على تزويد المعارضة المسلّحة في سورية بـ»أسلحة غير قاتلة» على حدّ تعبير البيان الذي صدر عن إدارتها، ما أثار جدلاً ساخراً من قبل معظم المحلّلين حول تفسير هذه العبارة التي تتجنّب على الأرجح المشاركة أو الاشارة إلى استعمال السلاح في عمليات القتل الممنهج، التي تنفّذها الجماعات المسلّحة في سورية، والتي تُصنّف على أنها «جرائم حرب»، و»جرائم ضد الإنسانية» بحسب تعبيرات القانون الدولي، خاصة وأنها تقارب عمليات «التطهير العرقي» في بعض المناطق داخل سورية على خلفية مذهبية وطائفية.
ومن الإشارات أيضاً، ما اجتاح الوضع في لبنان خلال الأسبوع الماضي من عمليات توتير أمني وشحن مذهبي، قادها حلفاء أميركا في لبنان بدءاً من جماعات ما باتت تُعرف بـ»الإسلام السياسي»، التي تعتمد على الخطاب المذهبي تحديداً، وسط خفوت أصوات حلفاء آخرين ومن طوائف أخرى يشعرون أنهم أضعف من مواكبة ما يجري، بين محورين سياسيين رئيسيين اثنين في المنطقة يُلبس لبوساً مذهبياً، وهؤلاء كالأميركيين أنفسهم ينتظرون بفارغ الصبر وقوع الفاس برأس الأخصام من خلال تطور الاشتباك المذهبي الذي يصرّ البعض على إذكائه ليتمكن من تحديد أرباحه أو خسائره. وفي هذه الأثناء فإن ما يُنتظر من مدينة صيدا الساحلية في جنوب لبنان، وما يجري من دفعٍ للأمور فيها نحو «حافة الهاوية» ليس بالاعتماد على قوة من «يصيح» من أهلها بل على قوى داخل مخيماتها الفلسطينية تمّ إعدادها من قبل سياسيين محليين منذ فترة طويلة، لأداء مهام وتحقيق أهداف تصبّ في مشروع الهيمنة نفسه على البلد، ويبدو أن وقتها قد حان بالنسبة إليهم ربطاً بعوامل عديدة منها الاستحقاقات الداخلية والتطورات الميدانية في سورية، ناهيك عن المواقف المتشنّجة إقليمياً.
وتقول مصادر متابعة مطلعة على ما يحصل في صيدا، إن ما يجري في شمال لبنان ليس أقلّ مما يدور في جنوبه أو شرقه أو حتى في بعض أحياء عاصمته، وليس بعيداً عن واقع صيدا بالشكل والمضمون، ولعلّه هو الأولى بالمعالجة إذ إنّ عدداً كبيراً من المسلحين بات موجوداً هناك لا سيما بعد تدفّق أعداد كبيرة من الشباب السوري وغيره من جنسيات مختلفة إلى المنطقة بحجّة النزوح أو اللجوء من الحرب أو الفرار من قبضة الجيش السوري، الذي يحرز تقدّماً في مناطق رئيسية على عكس ما يُشاع، لينكشف المشهد على انفجار وشيك يسعى إليه التحالف العربي – الغربي – «الإسرائيلي» كجزء من عملية إسقاط المحور الممانع السوري – الإيراني – اللبناني عبر حزب الله وحلفائه في أتون الحروب الداخلية، بالرغم من المجازفة لعدم تكافؤ القوى بين الأطراف المحتملة في نشوء أي نزاع مسلّح. إلا أنه بالنسبة إلى التحالف الإقليمي الدولي فإن هذا الهدف يبقى الأهم في صراع يدور على الحقوق، ناهيك عن النفوذ والثروات ويتعدى المنطقة إلى العالم بأسره.
لقد عبرت زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم الأخيرة إلى طهران نهاية الأسبوع الماضي وما خرجت به عن مواقف إيرانية – سورية مشتركة، وإن كان محورها الأزمة السورية لكنّها تعدّتها إلى مضمون وأبعاد أكبر في الانقسامات الإقليمية والدولية.
ما يحمله كيري معه ليس سوى مجموعة من «العواصف» قد تبدأ بالظهور بعد مغادرته فوراً، لأن باستطاعة إدارته تجميد الخطوات كافة إلى ما بعد «الاطمئنان» عليه، وليس بانتظار تقويمه لجولة استماع حملت معها قرارات مسبقة قابلة للتنفيذ.

السابق
مكاري: الانتخابات ستتم على اساس الستين الا بحال تم التوافق على اخر
التالي
السعودية: وخدعتكم القاعدة مرة أخرى!