القتال في سوريا يُغرق حزب الله

تؤكد مصادر ديبلوماسية غربية، أن الفكرة التي تمّ التداول بها من جانب الولايات المتحدة الأميركية مع السلطات اللبنانية، حول القلق من احتمال إنشاء "حزب الله" منطقة عازلة تربط المناطق الشيعية على الحدود اللبنانية السورية بالمنطقة العلوية داخل سوريا، ليست جديدة، وهي طُرحت قبل الآن، وجاء طرحها حالياً ليعطي انطباعاً أن المسألة استجدت.
وجاءت الفكرة، لتعرض على لبنان الرسمي، بصفتها التحليلية، ليس أكثر، على أساس أن الحل الوحيد لدى النظام السوري بات في إقامة دولة علوية في شمال سوريا. وانطلقت الفكرة من أن القتال الدائر أدى الى خروج السنّة من العديد من مناطق حمص لتصبح علوية خالصة. حتى أن المناطق المختلطة في المنطقة باتت تحوي أكثرية علوية من جراء الأحداث الجارية. لذلك، إن استعمال البقاع اللبناني لدعمها وإمدادها يصبح أمراً مفيداً.
من غير الواضح إذ كانت هذه الفكرة حاصلة فعلياً على الأرض، مع أنها تستند الى صعوبة سيطرة النظام على كل البلد، وهو الأمر الحاصل حالياً.
وثمّة وجه آخر لهذه الفكرة، وهو دور "حزب الله" في سوريا، حيث لدى واشنطن معطيات تقول، إن الحزب يشارك في الأعمال العسكرية هناك. وهذا كان السبب المباشر وراء إدراج العديد من الأسماء المنتمية إليه، على اللوائح الإرهابية للولايات المتحدة. وهناك إدانة لهذا التدخل في سوريا. ومنذ مدة تقوم الإدارة الأميركية بإدراج تلك الأسماء بسبب الدور غير المرضي عنه الذي يقوم به الحزب في سوريا.
وتعتبر المصادر أن واشنطن تعتقد أن لبنان هو الذي يقرر سياسته حيال سوريا بالشكل الذي يراه مناسباً. لكن الدولة العظمى تؤيد سياسة النأي بالنفس لأنها السياسة الفضلى، لأن أي موقف آخر ينعكس عليه سلباً بسبب وضعه الداخلي.
وتفيد أوساط ديبلوماسية أخرى، أن غالبية الدول تؤيد سياسة النأي بالنفس عن الوضع السوري، لكن على أن تكون هذه السياسة فعلية، في ضوء أن المستجدات تعاكس هذا المبدأ، لا سيما إذا ما أخذت في الاعتبار مشاركة الحزب في المعركة في سوريا، على الرغم من نفي أمينه العام حسن نصرالله، ونفي وزير الخارجية والمغتربين، الأمر، واضعين ما يحصل في إطار دفاع الأهالي الشيعة اللبنانيون هناك عن أنفسهم.
وتعتبر الأوساط، أن معاكسة مبدأ سياسة النأي بالنفس خطرة جداً على الوضع اللبناني، إذ إن لبنان يجب أن يبقى خارج إطار التطورات العسكرية في سوريا. ومدى هذه الخطوة يفترض أن يكون الحزب على دراية منها. وأي مشاركة تنعكس سلباً على الحزب وليس فقط على لبنان في مجال الاستقرار. فهي تنعكس عليه في المستقبل، ذلك أنه عندما سيكون هناك نظام جديد في سوريا سيكون موقف الحزب ضعيفاً، من جراء السقوط المتوقع للرئيس السوري بشار الأسد.
وبالتالي، في اعتقاد الأوساط، أن على الحزب أن يختار بين السلوك كحزب لبناني أو السلوك كحزب غير لبناني أو ذي مهمة غير لبنانية. هذه هي النقطة الرئيسة في شأن الحزب. من غير المعروف توقيت سقوط النظام لكنه في النهاية سينتهي. وفي ذلك الحين سيكون مصير الحزب صعباً لبنانياً وإقليمياً وعلى المستوى الداخلي، خطورة مشاركة الحزب في الحرب السورية تكمن في انعكاساتها سلباً على الوفاق الداخلي، ومن ضمن ذلك التوافق بين الطوائف. فبات معروفاً أن حزب "المقاومة" يهتم بسوريا، في وقت يطمئن الى أنه لن يحصل شيء في الجنوب. وخطورة المشاركة تظهر في مرحلة من التوتر الشديد بين السنّة والشيعة لبنانياً وإقليمياً. والمشاركة تسهل المساهمة في هذا التوتر. وهذا له انعكاسات سلبية وجدية.
وما يُحكى عن توقعات على الحدود، تعاكس سياسة النأي بالنفس. وتلفت الأوساط، الى أن جهود رئيس الجمهورية ميشال سليمان لتعزيز الدولة ومؤسساتها وصلاحياتها، هي جهود يثمنها المجتمع الدولي عالياً، الذي يدعم الرئيس ومقومات الدولة لتعزيز قدراتها في مؤسساتها وحدودها.
وأي اختراق على الحدود سيكون عرضة لانتقادات الدول التي تؤيد سياسة النأي بالنفس التي تُعدّ الأمثل للبنان والأكثر إفادة له. الأطراف اللبنانية تتهم بعضها بالخرق والحزب ينفي أنه يتدخل. وهناك فارق، كما يحاول الحزب أن يوحي، بحسب الأوساط، بين لبنانيين وحزبيين يدافعون عن أنفسهم وقراهم داخل الأراضي السورية، وبين إرسال قوات للقتال هناك.
فهل الحديث الأميركي عن منطقة عازلة تحضيراً لموقف ما، أم أن ذلك سيبقى في إطار التحليل ولفت الانتباه؟.

السابق
هل الفتنة باتت أمراً واقعاً؟
التالي
رشق الشيخ الغنوشي بالحجارة