مصر نصفان وكل نصف “أنصاف”!

يبدو واضحاً في رأي متابعين مصريين جديين للاوضاع الراهنة في بلادهم ان شعبها منقسم نصفين. يتكون النصف الاول من الاسلاميين المُمَثلين بـ"جماعة الإخوان المسلمين"، والسلفيين الذين كان "حزب النور" الحديث التأسيس والنشأة المعبر شبه الوحيد عنهم لحين انقسامه بدوره حزبين متنافسين، و"الجماعة الاسلامية" وعدد من التنظيمات الاخرى. أما النصف الثاني فيتكوّن من المثقفين الليبراليين، ومن دعاة الدولة المدنية لا الدينية، ومن الاحزاب التي تأسست بعد "انتصار" الثورة قبل نحو سنتين واخرى تمارس نشاطها منذ عقود، ومن شخصيات مصرية عُرِف بعضها بنشاطه العربي وبعضها الآخر بنشاطه الدولي. وداخل النصفين المذكورين كما على هوامش كل منهما مجموعات اطلق عليها المصريون اسم "الفلول" اي الذين كانوا من انصار الرئيس المخلوع حسني مبارك واعضاء عاملين في حزبه. ومن هؤلاء سياسيون وموظفون وديبلوماسيون سابقون ورجال اعمال يبحثون عن حماية لهم اولاً، وعن فرصة تتيح لهم العودة الى ممارسة اعمالهم ونشاطاتهم بكل ارتياح. وطبيعي ان يكون "البلطجية"، وهي الكلمة المرادفة لكلمة "الشبيحة" المستعملة بكثرة في سوريا ولبنان وفي كل العهود، موجودين مباشرة ومداورة عند عدد لا بأس به من مكونات النصفين المشار اليهما اعلاه، لأن الحاجة الى "اعمالهم" لا تزال قائمة، وخصوصاً في ظل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي انتج كما يرى متابعو اوضاع مصر وتطوراتها عدم استقرار امني خطير جداً.

لكن ما يبدو واضحاً ايضاً هو غياب "الاستقرار" داخل كل من القسمين المفصّلين اعلاه للشعب المصري. فالنصف الاسلامي او الاسلاموي صار اثنين جراء تنامي الاختلاف في المواقف ووجهات النظر بين "الإخوان" و"السلفيين". وقد بدأ يتحول حالياً افتراقاً بينهما وتصارعاً على استقطاب تأييد الشارع المصري وتحديداً الاسلامي منه. والملاحظ على هذا الصعيد ان "الإخوان" اصحاب التجربة "الحزبية" او بالاحرى التنظيمية الاسلامية العريقة الوحيدة في مصر وربما في العالم العربي، إذ بدأت عام 1928 مع المؤسس حسن البنا، وأصحاب الشعبية الواسعة عند المصريين الإسلاميين كما المصريين المدنيين بسبب القمع الذي مارسته عليه الانظمة التي عاشت في ظلها مصر منذ تأسيس حركتهم والثمن الكبير الذي دفعوه وفي أكثر من مجال، الملاحظ ان شعبيتهم لم تزد عمّا كانت عليه رغم وجودهم في السلطة. والملاحظ ايضاً ان السلفيين الذين كانوا موجودين من زمان ولكن كجماعات صوفية صاروا اكثر تنظيماً، ونجحوا في استقطاب تأييد اسلاميين مصريين جديد وكذلك مصريين غير اسلاميين. وأسباب ذلك كثيرة ابرزها خيبة الامل التي تسبب بها "الإخوان المسلمون"، منذ وصولهم الى السلطة بعد الثورة بل حتى في اثناء اندلاعها، للاسلاميين في مصر كما لقطاعات شعبية عدة اخرى مسلمة ولكن غير إسلامية مؤمنة بالديموقراطية الفعلية والليبرالية والحريات على تنوُّعها ولكن من دون ابتذال. ولم تؤثر صراحة تعبير السلفيين عن اهدافهم المرفوضة من العلمانيين والمدنيين والليبراليين على احترام هؤلاء لهم، او على تفضيلهم اياهم على "الإخوان"، أو على قرار التعاون معهم لاخراج البلاد من مرحلة انتقالية كلها مآزق وأخطار الى مرحلة من الاستقرار المؤسساتي والسياسي والأمني الممهد لاستقرار اقتصادي واجتماعي. ويعود ذلك الى نفور كل المذكورين اعلاه من عدم الوضوح ومن الباطنية ومن المناورة، وكلها أساليب استعملها "الإخوان" في تعاطيهم مع سائر ممثلي الشعب المصري لاخفاء اهدافهم الحقيقية وهي الوصول الى السلطة بل الاستئثار بها بغية تنفيذ اجندتهم الفعلية او مشروعهم الفعلي.

وما يبدو واضحاً اخيراً، في سياق الحديث عن أوضاع الشعب المصري وقواه السياسية والسياسية – الدينية، هو ان غير الاسلاميين اي النصف الآخر من هذا الشعب تفتقر الى التنظيم الفعلي والى البرامج الواضحة والى الاستعداد للبذل والتضحية دفاعاً عن البلد الذي يحلمون به. وقد تكون خير اشارة الى ذلك اعتقاد بعضهم بأن نجاتهم ومصر من الاسلاميين اخواناً وغيرهم لا يمكن ان تتم الا بواسطة العسكر. والعسكر يعني ديكتاتورية. واعتقاد كهذا لا يدل على ان الفكر الديموقراطي عند قسم مهم منهم متأصل في عقولهم والنفوس.

هل من اسباب اخرى ساعدت "الاخوان" لمحاولة الإمساك بمصر؟

السابق
سلفيون: أحمد الأسير ليس منّا
التالي
معلومات عن تدفق مقاتلين فلسطينيين الى الحدود مع سوريا