سلفيون: أحمد الأسير ليس منّا

عرف الشيخ أحمد الأسير كيف يكون شعبوياً منذ أن كان يجمع التبرعات في شارع الحمراء. صعد نجمه شيئاً فشيئاً. أحاط نفسه بشبكة أمان صيداويّة، تتألف من شخصيات تنتمي إلى علائلات المدينة الكبيرة (البابا، البزري وغيرها) وبعض الشخصيات الفنية والإعلامية كفضل شاكر وغيره، إلى جانب غطاء من آل الحريري، برغبتهم أو عدم رغبتهم. إذ يكفي الإشارة إلى أن مرافقي النائب بهية الحريري، يصلّون نهار الجمعة خلف الأسير، “قصر مجدليون” يكون خالياً ظهر كل جمعة.
غريب هو هذا الجمع. حتى أن من تبنى الأسير إعلامياً في البداية هو ألد خصومه المفترضين. لم يعد للأمر أهميّة كبرى الآن. صعد نجمه. وصار الشيخ الصيداوي، مثار جدل واهتمام. استخدم خطاباً مذهبياً استنفر فيه عصبيات شارع ليؤيّده وآخر ليُعارضه.
لكن هناك شيئاً ناقصاً. لم يستطع الأسير أن يكون جزءاً من المنظومة السلفيّة. لم ينضم إلى هيئة العلماء المسلمين، وهي الهيئة التي تُمثّل أغلبية السلفيين اللبنانيين. ناصر الثورة السورية، من دون أن يُكلّفه الأمر شيئاً. لم يستعمل ما يصله من أموال لإغاثة النازحين السوريين وما أكثرهم، وأحوجهم. لم يتورط في إرسال السلاح إلى سوريا. الموقف السلفي من الأسير كان حاداً. اعتبروه حالة غير إسلاميّة.
لاحت للأسير فرص الانضمام إلى الصف السلفي يوم زاره وفد من هيئة العلماء المسلمين وعرض عليه أن يأتي وفد آخر يضم أكثر من مئة شيخ إلى مقر اعتصامه السابق على الطريق الدولية التي تربط بيروت بالجنوب، ويُعلن الأسير فكّ الاعتصام تجاوباً مع هذا الوفد. رفض الأسير العرض. أراد أن يكون الوسيط، الطرف الإسلامي ــ الفلسطيني الأقوى في مخيم عين الحلوة، أي عصبة الأنصار. كان له ما أراد. ربما وجد الأسير في هذا الأمر فرصة لتكوين غطاء فلسطيني له. هو الذي يرغب في أن يكون مخيّم عين الحلوة عمقاً بشرياً وعسكرياً لحالته. لم ينجح بالكامل، رغم إصرار بعض وسائل الإعلام على ذلك.
مع تدعيم وضعه في طرابلس، والتخلص من عبء الاعتصام، اتجه أحمد الأسير شمالاً. زار المدينة، وأقام لقاءً في فندق كواليتي إن. لم يكن اللقاء كما أراده المنظمون. حجم المشاركة الطرابلسيّة ضعيف جداً. اتجه إلى عكّار، حيث كان التجاوب أفضل بقليل. لكن مناصريه في طرابلس، وهم قلّة، استفزوا السلفيين مراراً. رفعت لافتات تُحقر رجال الدين، وتعتبر أن الأسير هو الأعلم والأفضل.
حصلت حادثة عرسال. بعد يوم، ذهب وفد من هيئة العلماء الملسمين إلى تلك البلدة المنسية، وأعلن تضامنه مع أهاليها، من دون فتح معركة مع الجيش. وبدأ بعدها مسيرة تفاوض تكللت بالنجاح، مع رفع الحصار تقريباً عن البلدة وتسليم نحو ثلاثين من المطلوبين. لم يكن الأسير جزءاً من هذا العمل. أعلن الزحف لتحرير عرسال، وهو ما لم ينجح. ولو نجح الأمر، لكان الصدام بين العرساليين والجيش مخيفاً كما يقول أحد المشايخ السلفيين.
بعدها، أتى الانقاذ للشيخ الصيداوي. نجحت الاتصالات وانضم إلى لائحة الخطباء في اعتصام التضامن مع الموقوفين الاسلاميين في بيروت الأسبوع الماضي. اشترط المنظمون على الأسير حصر كلمته بملف الموقوفين. طالبوه بعدم التطرق إلى الثورة السورية ولا إلى الوضع الداخلي اللبناني. وافق الرجل. لكن، ما إن اعتلى المنبر، حتى اعتذر من المنظمين، وقال إن كلمته تُمثّله هو فقط، ليفتح النيران يميناً وشمالاً.

تحول الحدث من ملف الموقوفين إلى تصريحات أحمد الأسير. وظهر الشيخ سالم الرافعي (وهو الأكثر شعبية بين المشايخ السلفيين) كمهادن أمام خطاب الأسير. وللمرة الثانية يُقدم الرجل على وضع العصي في مساعي حلّ ملف الموقوفين. المرة السابقة، كانت خلال اعتصامه في صيدا، إذ سبقها إطلاق عدد قليل من الموقوفين تمهيداً لإطلاق سراح آخرين. الاعتصام أوقف هذا الأمر. اللافت أن حسام الصباغ وآخرين امتنعوا عن المشاركة في اللقاء التضامني.
في ظل هذا الواقع، قام الشيخ نبيل رحيم بانتقاد خطاب الأسير خلال اللقاء التضامني، في لقاء تلفزيوني. لم يتأخر الرد. فخلال درس ديني، وصف الأسير، رحيم برجل الدين المرتهن للدولة. أكمل بعض الشبان الطرابلسيين المرتبطين بالأسير المهمّة، بتوجيه كمّ من الاتهامات والشتائم لرحيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
اليوم، تسمع من رجال الدين السلفيين موقفاً أكثر سلبية تجاه الأسير. يعتبرونه شعبوياً، يُريد توريط الشباب بمعارك وهميّة. يقولون إنه ليس سلفياً، وإن جمهوره ليس من المتدينين، بل من حالة شعبية مستفزة مذهبياً لا أكثر. يرون فيه خطراً، وفتنة متنقلة. يسأل هؤلاء، من صنع أحمد الأسير؟ ومن سمح له بالتمدد والتوسع؟ ربما فضل شاكر يملك بعض الأجوبة.

السابق
روسيا من أفغانستان إلى سوريا
التالي
مصر نصفان وكل نصف “أنصاف”!