مرحلة جديدة…

كنّا في مرحلة وصرنا في أخرى. أو في بداياتها ومستهلاتها. وهذه ستكون، على ما تشي وتفصح التصريحات والتحرّكات والتنبيهات، أسوأ من كل ما سبق ومرَّ وعَبَر في دنيا اللبنانيين، وأخذ معه، من جملة ما أخذ، "روحهم" المدنية التسووية التي كانت بقيت حيّة تسعى حتى في أحلك أيام حروبهم السابقة.
أثمر الدأب الممنهج مناخاً تعبوياً تصادمياً أبعد مدى من الطبقة الانقسامية الأولى. ووصل التردّي التفتيتي إلى نقطة أعمق من التعريف البسيط للحروب الأهلية… هذه كانت في بداياتها تتويجاً لحرب سياسية فكرية تعكس انقسام أحوال العالم آنذاك بين يسار ويمين… وعرب وإسرائيليين. ثم تطوّرت لتصير دينية في عنوانها العريض رغم اشتمالها على عناصر خارجية حاسمة… ويمكن في زاوية ما، إدراج الالتباس الخاص بالتوصيف القائل إنّها كانت حرباً "بين لبنانيين وغرباء" في سياق ذلك الاشتباك الديني وليس خارجه.
مرّت بعد ذلك، أولى بوادر انتهاء تلك الحروب، بعدما انحدر القتال إلى المستوى الداخلي. أي "في" الطوائف والمناطق وليس "بين" الطوائف والمناطق. واحتاج الأمر لاحقاً، إلى هذيان تدميري دموي عبثي فظيع كي يمكن إقناع وإخضاع المكابرين والرافضين، بتسوية تاريخية في الطائف… الآن وصلنا إلى ما دون ذلك: إلى الفتنة الصافية!
بين الحالة العراقية والحالة الإيرلندية، هناك شيء لبناني تبلور وصار جاهزاً للعرض الكبير.
في العراق، خفّف الاحتلال الأميركي وإرهاب "القاعدة" من سطوة الصدام المباشر بين مكوّنات الكيان الواحد المتمايزة دينياً وعرقياً. لكن بانتهاء الاحتلال وتراجع الإرهاب، انتهى مفعول قلم حبر التلوين وعادت الخريطة إلى وضوحها وصفائها: نزاع مذهبي تام ومكتمل. ويُقال إنّه لم يصل إلى ذراه بعد!
في إيرلندا الشمالية، كانت الأمور أسوأ مع البريطانيين ومن دونهم… الانقسام الديني المباشر عمره مئات السنين. وكان ولا يزال أقوى من الحداثة وتطوّر آليات الإنتاج والعولمة الثقافية والاقتصادية والأذواق والأفكار. تمكن البريطانيون بعد لأيٍ، من كبت الجانب المسلح من ذلك الانقسام، لكنهم لم يتمكّنوا من تغيير حرف واحد في "معتقدات" كل طرف: بقي مارتن لوثر في كنيسته. وبابا روما في فاتيكانه!
في لبنان، أوصلنا "حزب الله" أخيراً إلى النقطة المستحيلة. وأمكنه بعد سنوات من الدأب التحريضي الفتنوي الميداني والنظري، من تهيئة المسرح لعرضه الكبير: الفتنة المذهبية لخدمة مشروع إقليمي تحمله إيران وتسوّقه في بلاد العرب والمسلمين أينما أمكنها ذلك ومن دون التنازل لإلقاء ولو نظرة واحدة على الأكلاف والأثمان والتبعات والزلازل والكوارث، التي يسببها!
في اللحظة المناسبة يحصد ذلك الحزب جنى زرعه. ويستطيع الآن، أن يكمل ما بدأه نوري المالكي في بغداد من دون أن يفاجئ أحداً: إذا سقط بشار الأسد "اندلعت" الحرب المذهبية في العراق ولبنان. المالكي يقولها كما هي. عندنا تحتاج إلى تبريرات وأقنعة كثيرة منها "المقاومة" و"التآمر" عليها، ومنها السلفية و"الارتباطات" بالخارج، وما شابه من نكات سود ممجوجة ومملّة.
مرحلة جديدة في زمانها كهفية في مضمونها. لكن سفورها الإيراني صار أوضح من كل تمويه!

السابق
7 أيار صيداوي
التالي
مدفع لتهريب المخدرات الى أميركا