حزب الله مزيد من التورط

تندرج زيادة تورط «حزب الله» الى جانب النظام السوري في الحرب التي يخوضها مع شعبه في السياق الطبيعي للامور. لم يفاجئ الحزب، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني عناصره لبنانية، احدا. ربما فاجأ فقط الذين يهوون المفاجآت ويبحثون عنها. ينفّذ الحزب بكل بساطة المهمة الموكولة اليه والتي تتلخص بمهمات محددة مكلّف بها في اطار الاستراتيجية الايرانية المعروفة. هدف ايران واضح كلّ الوضوح ويتمثّل في لعب دور القوة الاقليمية القادرة على الدخول في صفقات مع اميركا واسرائيل على حساب كلّ ما هو عربي في الشرق الاوسط.
ما يمكن اعتباره جديدا بالفعل هو ذهاب الحزب بعيدا في كشف الخط الذي كان يسعى دائما الى فتحه، بتعليمات ايرانية طبعا، على طول مجرى نهر العاصي. فالموضوع لا يتعلّق بحماية قرى شيعية في الأراضي السورية بمقدار ما يتعلّق بربط مناطق نفوذ «حزب الله» في سهل البقاع بالساحل السوري. وهذا يعني في طبيعة الحال الحاجة الى تدمير حمص، اقلّه جزء منها، وتحييد عرسال البلدة اللبنانية السنّية التي تمتلك حدودا طويلة مع سوريا والتي تتمتع بموقع استراتيجي في المنطقة الفاصلة بين منطقة عكّار (السنّية) والهرمل (الشيعية).
لا حاجة الى الغوص في التفاصيل. لكنّ ما يدور حاليا من اشتباكات بين «الجيش السوري الحر» الذي يمثّل، الى حد كبير، الشعب السوري الثائر ومقاتلي «حزب الله» يعكس الرغبة في ايجاد ممرّ آمن بين قسم من سوريا ولبنان. مطلوب ان يكون هذا الممر تحت سيطرة الحزب كي تتمكن ايران من القول انها لم تخسر كلّ سوريا وأن خيار الدولة العلوية لا يزال قائما. اكثر من ذلك، ان هذا الخيار يعني اوّل ما يعني أنّ الحرب في سوريا طويلة وأن هناك قدرة لدى ايران على ارسال مساعدات الى القوات الموالية للرئيس بشّار الاسد وعائلته في حال اضطرارها الى الانكفاء في اتجاه الجيب العلوي.
ما نشهده اليوم هو البداية الفعلية لتنفيذ الخطة البديلة في سوريا. تأخذ هذه الخطة، تسمّى «الخطة ب» في الاعتبار احتمال زيادة الضغوط على النظام في دمشق وانسحابه في هذه الحال من العاصمة الى الجيب العلوي. يبدو «حزب الله» الذي قرّر زيادة تورطه في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري جزءا لا يتجزّأ من المباشرة في تنفيذ «الخطة ب».
مرّة اخرى، يصح طرح السؤال البديهي: هل الدولة العلوية قابلة للحياة؟ من الواضح أنّ هناك من يعتقد ذلك، على الرغم من أنّ الساحل السوري لم يعد يعتبر ذا اكثرية علوية كما كانت عليه الحال في الماضي القريب. هناك بكلّ وضوح، ولا بدّ هنا من تسمية الاشياء باسمائها، اكثرية سنّية على طول الساحل. حتى مدينة اللاذقية ذات اكثرية سنّية في ضوء الهجرة المسيحية المستمرّة من سوريا، وهي هجرة ازدادت مع وصول حافظ الاسد الى السلطة في العام 1970 وما ترافق من سعي الى ترييف المدن الكبيرة، بمن فيها مدن الساحل.
يبدو أن ايران توصلت الى أنّ المحافظة على موطئ قدم في الاراضي السورية ليس ممكنا من دون قوة لبنانية مساندة لهذا التوجه. وهذا ما يفسّر الى حد كبير تطور التورط العسكري للحزب الايراني في الحرب السورية وصولا الى قصفه مواقع لـ»الجيش الحر» انطلاقا من الاراضي اللبنانية الواقعة تحت سيطرته .
المؤسف أنّ ذلك كله يحصل فيما الحكومة اللبنانية غائبة عن الوعي. اكثر من ذلك، تلعب الحكومة دورا اساسيا في تحييد عرسال وممارسة الضغوط على اهل عكّار تسهيلا لمهمّة «حزب الله» داخل الاراضي السورية.
يتبيّن يوما بعد يوم أن الحكومة اللبنانية الحالية، التي على رأسها شخصية سنّية من طرابلس، وجدت اصلا من اجل اذلال السنّة والمسيحيين لا اكثر ولا اقلّ. هذه الحكومة ليست قادرة على استيعاب التحولات الاقليمية في اي شكل، بما في ذلك اللعبة الايرانية التي يمكن اختصارها حاليا بعنوانين. الاول ان خسارة سوريا لا تعني في الضرورة خسارة لبنان. اما العنوان الآخر، فهو أنّ في الامكان ابقاء قسم من سوريا تحت السيطرة الايرانية وذلك بفضل فائض القوة التي يمتلكها «حزب الله». من هنا، اهمّية الممرّ الذي يحاول «حزب الله» فتحه بين منطقة الهرمل والجيب العلوي…
المضحك- المبكي وسط كلّ ما يجري أن «حزب الله» ما زال يعتبر نفسه «مقاومة». ما هذه المقاومة التي لم تكن يوما سوى اداة لتنفيذ مشروع ايراني مبني على اثارة الغرائز المذهبية بدءا بالسيطرة على احياء معيّنة من بيروت؟ جاء اليوم دور استخدام هذه الغرائز ليس من اجل تقسيم سوريا فحسب بل ادخال كلّ لبنان في هذه اللعبة ايضا. هل من دليل دامغ على ذلك اكثر مما يدور على طول نهر العاصي الذي ينبع من لبنان ويسير صعودا، على خلاف بقية الانهر، في اتجاه الاراضي السورية؟ انه دليل اكثر من دامغ على الوظيفة الحقيقية لـ»حزب الله» المتمثلة في عزل لبنان عن محيطه العربي من جهة وتحويله امتدادا للمحور الايراني- السوري من جهة اخرى. ماذ سيبقى من هذه الوظيفة بعد انهيار النظام السوري تماما…وهذا ما سيتحقق عاجلا ام آجلا؟

السابق
سجن يطل على البحر مباشرة
التالي
جون كيري يصل إلى أنقرة اليوم