وقود الثورات والحروب

أحرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس وأشعل ثورة لا رفضاً للرئيس السابق زين العابدين بن علي وانما لأنه كان جائعاً ومحبطاً. لم يجد مأوى يقيه برد الشتاء، ولا لقمة ساخنة تخفف عنه برد الشتاء، بعدما صادرت السلطات العربية لبيع الخضار.
لم يسانده مجايلوه الأغنياء. هم يتقاسمون المصالح مع الطبقة الحاكمة. هكذا هي الحياة. طبقة تنعم بالخيرات، وأخرى تعاني الفقر وتنقم على الاولى. تنتظر الوقت المناسب للثورة، للانقلاب عليها. للقبض على السلطة، للتنعم بالخيرات.
غالباً ما تأكل الثورات نفسها، ويتحول الثوار على الديكتاتوريات، ديكتاتوريات جديدة. طعم السلطة لذيذ. يشتهيه الفقراء، والمنبوذون، والعاطلون عن العمل.
العاطلون عن العمل من يتنبه اليهم ويحاول تدبر أمورهم. هؤلاء يصبحون فقراء، ويشعرون أنهم منبوذون، يتحينون الفرصة للثورة على الحكومات، على من يمثل السلطة، في كل المستويات، حتى المدير المحلي الصغير نسبياً.
وقبل أسابيع هدد لبناني بإحراق نفسه للتخلص من فقره. أمامه حلان، أو الانتحار بإعدام نفسه واحراق جسده أو بأي طريقة أخرى، أو التحول الى رفض الواقع عبر ما يشبه الثورة، وهي عصيان مدني.
فقد أقدم المواطن خضر أبو غزالة (25 عاماً) على تشطيب نفسه وسكب البنزين على جسده مهدداً بإحراق جسده، في شارع الشاكرية داخل سوق صيدا التجاري، بعدما أقدمت دورية تابعة لبلدية صيدا على مصادرة عربته لبيع الخضر.
وعلى الفور، حضرت الى المكان دورية لقوى الأمن الداخلي وأقفلت الشارع، وتم نقل أبو غزالة الى مستشفى صيدا الحكومي للمعالجة.
وقبله هدّد أحد المدرسين اللبنانيين بحرق نفسه بعدما تم فسخ عقده من وزارة التربية، كـ"مفاجأة" شبيهة بالتي أقدم عليها التونسي محمد البوعزيزي وقال رئيس لجنة الاساتذة المتعاقدين مع التعليم الرسمي في لبنان: سنقدم نموذجاً جديداً في العمل النضالي لم يألفه الجميع"، مشيراً الى أن "أحد المتعاقدين الذي فُسخ عقده أخيراً سيقدّم مفاجأة شبيهة بتلك التي قدّمها الشاب التونسي البطل البوعزيزي.
ومثلهما فعل العام الماضي، أحد المياومين في كهرباء لبنان، عندما أشعل النار بنفسه أمام مقر المؤسسة عند كورنيش النهر.
هكذا هم الفقراء في العالم كله، وقود للحروب والثورات.
كتب ناشط سوري عبر "فايسبوك" يدعى أبو عصام:
"الفقراء وقود الحرب" بالفعل… هذا ما يحدث في بلدي سوريا… لكن هؤلاء إن ظلموا في الارض… سينصفون في السماء… فهم أحباب الله… عندما ترى يومياً صوراً لهؤلاء الشبان الذي يشع من وجههم النور والطيبة… تشعر بالزهد في الدنيا وما بها… وتشعر بقمة المأساة والجحيم الذي نعيشه… لكن قلة قليلة من تشعر … فالبعض فينا لا يشعر حتى يذوق من نفس الكأس… قلة من يشعرون بمرارته حتى لو لم يذوقوه… أستقي من هؤلاء المثل والقيم والأخلاق… أستقي منهم معنى الحياة والوجود… فهم أصل الوجود وضامنه من الزوال.
وكتب علي سبيتي في موقع "راصد الشرق الاوسط":
منذ الحروب الأهلية والفقراء اللبنانيون يدفعون فواتير الحروب تحت سيل من التعابير والمصطلحات… في الحرب هم الشهداء والضحايا، وفي السلم هم المخلّون بأمن النظام والمتضررون من حالات الاستقرار، وعند حاجات أغنياء الاحزاب هم غضب الشعب وتعابير الثورة الزاحفة الى قصور الدولة. أنشد لهم المنشدون السياسيون اليساريون باعتبارهم ملح الارض، واصطفتهم اليسارية الاسلامية لنفسها كمادة لشرعية الثروة في الثورة، واعتبرتهم الدولة بأشكالها كافة قطّاع الطرق ومخلّوا بأمن البلاد والعباد. تعددت حاجاتهم السياسية والاجتماعية بين النخب السلطوية، واستعمرتهم المؤسسات الانسانية والاجتماعية لكسب اموال طائلة من جوعهم الدائم… من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال، فقراء طوائف يدفعون اثمان الفتنة ويدفعون بها الى الأمام لحصد كثرتهم وتوفير كل الامكانيات لقلة متربعة على اكتافها باعتبارها زعامات الشوارع المثقلة بهواجس الجوع السياسي والاجتماعي، وقيادات قادرة على تغيير مستحيل الفقراء بأرسالهم طوعاً الى المقابر المفتوحة لهم باعتبارها وطنهم القادر على حلّ مشاكلهم المتضخمة بأسهل الحلول".
هل تستمع الحكومات الى الفقراء، وتحاول تلبية بعض من مطالبهم. الحل لا يكون عبر زيادة الضرائب على الاغنياء، ولا الانتقام منهم. لكن الحل يكون بفرض سياسات تنموية، ترفض الاحتكار والأهم ان تمنع الصفقات التي تسرق اموال الفقراء الى جيوب الاغنياء ممن هم في السلطة، والى جيوب شركائهم خارج السلطة.

السابق
إطلاق حملة تشجير في النبطية
التالي
أول مخيّم للنازحين السوريين في البقاع الأوسط