هل يكون لبنان الدائرة الواحدة مخرجاً؟

تكاد مقدّمة خطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله المتعلقة بإعادة إحياء فكرة اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النظام النسبي، وخاتمته التي حذّرت من فتنة أهلية خلال أيّام قليلة، تلخّصان المشهد السياسي اللبناني بكامله. ويكتمل هذا المشهد بالمسيرة الضخمة التي نظّمتها هيئة التنسيق النقابية من محلّة البربير إلى السراي الحكومي، والتي تذكّر بأيّام خلت كان فيها شارع بيروت ينبض بتحرّكات عابرة للطوائف والمذاهب حول شعارات مطلبية أو وطنية أو قومية جامعة.

فبين خطاب السيّد نصرالله وتظاهرة هيئة التنسيق تبرز قوّة الإرادة الوحدوية لدى اللبنانيين، وهي الإرادة التي تحاصرها ممارسات وشعارات وتهديدات تريد أن تنقضّ على وحدة البلد وتماسك المجتمع.

ويطرح خطاب السيّد نصرالله تساؤلات حول مدى إمكانية نجاح قانون انتخابي يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة. فالذين يرون أنّ هذا الاحتمال ليس ضعيفاً يعتقدون أنّ القوى التي أيّدت مشروع اللقاء الأرثوذكسي ستؤيّد مشروع لبنان الدائرة الواحدة، أو على الأقلّ، اقتراح قانون مختلط يستطيع اللبنانيّون من خلاله انتخاب نصف نوّابهم وفق النظام الاكثري والنصف الآخر وفق النظام النسبي. كذلك يعتقد هؤلاء أنّ رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط وكتلته قد ينحازون الى هذا المشروع، ليس لأنّه مشروع «الحركة الوطنية» التي كان يرأسها الزعيم الراحل كمال جنبلاط فقط، بل أيضاً لأنّ الحسابات الانتخابية لجنبلاط تجعله يدرك أنّه يستطيع الحصول، وفق النظام النسبي، على عدد من المقاعد لا يقلّ عن عدد مقاعد «جبهة النضال الوطني» الحاليّة، خصوصاً بعد خروج عدد من نوّاب «اللقاء الديموقراطي» السابق عن الزعامة الجنبلاطية.

بل إنّ جنبلاط يستطيع أن يدير تحالفاً مع قوى الاكثرية الحاليّة يتمتّع من خلاله بـ»كرم» حلفائه، ولا سيّما منهم حركة «أمل» و»حزب الله» المستعدّين لإعطائه ما يرضيه إذا سار في هذا المشروع.

ويدرك جنبلاط أيضاً أنّ كرم حلفائه في الاكثرية سيبقى اكبر بكثير من كرم القوى الأخرى، ولا سيّما منها تيار «المستقبل» الذي يتحكّم بعدد من المقاعد الجنبلاطية الحاليّة، سواء في الشوف أو البقاع الغربي، أو بيروت.

أمّا تيار «المستقبل» فهو يدرك أنّ مشروع لبنان الدائرة الانتخابية الواحدة يعطيه نتيجة أفضل بكثير ممّا يعطيه إيّاها مشروع اللقاء الأرثوذكسي، لأنّه سيمكّنه من الإتيان بنوّاب من طوائف أُخرى، وهو أمر لا يتيحه له المشروع الأرثوذكسي.

وحتى «القوات اللبنانية» تستطيع بتحالفها القائم مع تيار «المستقبل» أن تحافظ على مقاعدها الحاليّة، خصوصاً إذا نجحت في وضع مرشّحيها في المراتب الأولى من اللائحة الانتخابية الموحّدة مع هذا التيار. وما يعزّز من إمكانية نجاح مشروع لبنان الدائرة الانتخابية الواحدة هو أنّ إمكانية العودة إلى قانون الـ1960 ليست واردة، وأنّ إمكانية التمديد للأوضاع الحالية ولمجلس النوّاب تحديداً ستفرض بقاء الأكثرية الحالية في السلطة وبقاء المعارضة في موقع الأقلّية.

ولكنّ هذا الأمر كلّه مرهون بالطبع، بتطوّرات إقليمية ودولية، سواءٌ على الجبهة السورية، حيث لا يلوح في الأفق أيّ احتمال لسقوط النظام، أو على جبهة الملفّ النووي الإيراني حيث بدت في محادثات كازاخستان حول هذا الملف بشائر إيجابية، حسب تصريحات المسؤولين الإيرانيّين.

وفي المقابل فإنّ تيار «المستقبل» يدرك أنّ وسط الطائفة السنّية منافسان لا يمكنه تجاوز وجودهما: أوّلهما القيادات السنّية المتحالفة مع الاكثرية، وثانيهما التيارات المتشدّدة التي لا تقبل بقيادة «المستقبل» لها بعد الآن، خصوصاً أنّها تأخذ البلاد الى المجهول في حال إصرارها على خطاب التحريض الطائفي والمذهبي وما يرافقه من ممارسات.

وهنا يقول المتفائلون بإمكانية تمرير مشروع لبنان الدائرة الواحدة إنّ التظاهرات المطلبية المتصاعدة حجماً ونوعاً ستُعطي دفعاً قويّاً لخطاب الوحدة وسط نزعات التفتيت الصاخبة في أكثر من منطقة لبنانية. ولعلّ ما أعلنه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي من سحب مشروعه المختلط وإشارته الى المادة 22 من الدستور المتعلقة بإنشاء مجلس شيوخ بعد انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، يضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم السياسية، تماماً كما يضع تحذير السيّد نصرالله من فتنة آتية خلال أيّام الجميع أمام مسؤوليّاتهم الأمنية.

وفي كلّ الحالات يسجّل مؤيّدو مشروع لبنان الدائرة الانتخابية الواحدة فضلاً وحيداً لمشروع اللقاء الأرثوذكسي على رغم كلّ سلبيّاته، هو أنّه حرّك المياه الآسنة في المستنقع السياسي اللبناني، وفتح الأبواب أمام احتمالات قد تضع البلاد بالفعل أمام إصلاح انتخابيّ وسياسي في آن معاً.

فهل تجتمع الاكثرية الحالية مجدّداً حول قانون يكرّس النسبيّة، سواءٌ على مستوى لبنان أو المحافظات الخمس، أو المناصفة بين الأكثري والنسبي لإخراج البلاد من المأزق الحالي الذي لن يكون محصوراً على ما يبدو بالشقّ الانتخابي وحده؟

الجواب على هذا السؤال ستحمله التطوّرات المنتظرة في قابل الأيّام.

السابق
ورقة بيضاء تمثِّلني
التالي
حذاء جيم يثير السخرية فى الأوسكار