ميقاتي يشكو الحلفاء: أحرجوني

لأول مرة منذ تأليف الرئيس نجيب ميقاتي حكومته قبل أكثر من سنة ونصف السنة، ينظر رئيس الحكومة إلى أن المنصب نقمة وليس نعمة. هذا الإنطباع تؤكده مصادر الرجل التي ترى أن حلفاءه لا يساعدونها، سواء في مجال «النأي بالنفس» أو قانون الانتخابات

إعتاد مقربون من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عدم إيلائهم إهتماماً كبيراً للتحركات والإعتصامات المناهضة له التي كانت تنظم في طرابلس، مبرّرين ذلك بأن المشاركين فيها أغلبهم من خارج المدينة، وبالتالي فهي مؤشر على أن طرابلس تقف إلى جانب إبنها في الرئاسة الثالثة، كما أن المشاركة الخجولة في هذه التحركات كانت تدل على أن الشمال بدوره لا يقف من ميقاتي موقفاً سلبياً.
هذا التبرير الذي كان يسوقه من يدورون في فلك ميقاتي، كان مطابقاً للواقع في أغلب المحطات التي رافقها نزول معارضين إلى شوارع طرابلس، بدءاً من يوم الغضب إثر تكليف ميقاتي تأليف الحكومة، وصولاً إلى يوم إغتيال اللواء وسام الحسن نهاية العام الماضي، قبل أن يضطر المقربون من رئيس الحكومة إلى إعادة حساباتهم مؤخراً.
ما دفعهم إلى ذلك أن الإعتصامات التي نفذتها هيئة التنسيق النقابية مؤخراً في طرابلس، على خلفية مطالبتها بإرسال مشروع سلسلة الرتب والرواتب إلى مجلس النواب لإقرارها، بمشاركة أساتذة التعليم الرسمي والخاص وموظفي الدولة، كانت كبيرة، وأن أغلب المشاركين فيها طرابلسيون رفعوا فيها شعارات قاسية بحق ميقاتي، ما جعل المقربون منه يقلقون ويشعرون أن الأوضاع لا تسير كما يشتهون.
سبق ذلك على مراحل متدرّجة تلمّس فريق عمل ميقاتي في طرابلس إرتفاع منسوب الإستياء من أدائه في مدينته، ليس من خصومه فحسب بل ممّن يحسبون عليه ويقفون إلى جانبه عند «الحشرة».
يأخذ هؤلاء على ميقاتي وعوده التي أعطاها لهيئة التنسيق النقابية بإرسال سلسلة الرتب والرواتب إلى مجلس النواب، ثم تراجعه، معتبرين أن سياسة الوعود التي يعطيها ميقاتي في هذا المجال وغيره، ترتد عليه سلباً، وأن عليه كي لا يقع في المحظور أن لا يعطي وعوداً إذا كان غير قادر على تلبيتها، أو لا يريد ذلك، لأن مصداقيته ستكون عندها على المحك.
من بين الإنتقادات الموجهة لميقاتي التي بدأت تقال بصوت عالٍ في طرابلس في أوساط سياسية وشعبية ليست بعيدة عنه، أن سياسة النأي بالنفس التي أعلنها حيال الأزمة السورية باتت شعاراً فارغاً من مضمونه، وأنه بدلاً منها يطبق سياسة النأي بالنفس عن الأزمات الداخلية، وتجاهله كل ما يدور حوله، ما طرح في هذه الأوساط سؤالاً حول هل أن ميقاتي يريد أن يحكم فعلاً، أم لا يريد؟
إلى ذلك، عندما ألّف ميقاتي حكومته في 13 حزيران 2011 وضمّت إلى جانبه 4 وزراء من طرابلس للمرة الأولى في تاريخها، نُظر إلى هذا التمثيل على أنه فرصة غير مسبوقة ينبغي إغتنامها لإيصال قطار الإنماء إلى المدينة المحرومة، لكن بعد مرور أكثر من سنة ونصف تبين أن ميقاتي فوّت هذه الفرصة على نفسه والمدينة معاً، وأن حكومته تتحول شيئاً فشيئاً لتصبح عبئاً على طرابلس.
وسط هذه الأجواء، طرحت تساؤلات كثيرة، منها كيف سيخوض ميقاتي الإنتخابات النيابية إذا جرت، وهل أداء الحكومة في الفترة السابقة يُعدّ رصيداً له، وما هي الأسباب التي دفعت ميقاتي لإيصال نفسه ومدينته وبلده إلى هذا المأزق؟
يعترف المقربون من ميقاتي أنه يخسر من رصيده، سياسياً وشعبياً، نتيجة الوضع القائم في البلاد، وأنه بفعل هذا الواقع واقف أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما أن يخسر ويبقى محافظاً على قناعاته وما يؤمن به، وهو أمر يمكن تعويضه لاحقاً إنما بصعوبة بالغة؛ أو أن يخسر وينهي حياته السياسية.
يُعدد المقربون صعوبات عدة واجهها ميقاتي منذ اليوم الأول لتسميته رئيساً للحكومة، وأن سواه «ما كان ليقدر على تجاوزها». منها أنه وجد نفسه بعد التكليف «ضحية متغيّر سياسي غير محسوب، في سوريا تحديداً، وأنه فكر بالعزوف عن التأليف أكثر من مرة لكنه لم يفعل، لأنه جاء لرئاسة الحكومة كعنصر توازن، ولأن الإستقرار في لبنان كان وما يزال مطلباً دولياً».
بما يخصّ سلسلة الرتب والرواتب يسأل المقربون من ميقاتي: «كيف يمكنه إحالتها للمجلس النيابي وحلفاؤه في الحكومة لا يساعدونه في تأمين تمويل لها، أقله لجهة وقف الهدر في إدارات الدولة وضبط مواردها المالية».
يوضح المقربون من ميقاتي أن حلفاءه «يرمون كل مشاكل البلد عليه وحده ويطلبون منه حلها»، ضاربين مثلين في هذا الإطار، الأول أن سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية «لم يلتزم بها كل حلفاؤه»؛ والثاني أن الحلفاء «الذين أقروا قانوناً إنتخابيا في مجلس الوزراء، تبنّوا غيره في اللجان المشتركة».
«غياب التضامن الحكومي أحدث إرباكاً عنده»، يقول المقربون من ميقاتي، فهو حسبهم «مكبّل اليدين، لأنه طرف ضعيف في الحكومة، وأن الحلفاء والخصوم يمارسون عليه ضغوطاً كي يمشي حسب ما يشتهي كل طرف منهم».
لكن ميقاتي حسب مقربيه قوي في الوقت نفسه، فهو «يعرف أنه باقٍ في منصبه لأن إمكانية تشكيل حكومة جديدة تبدو مستحيلة، ولأنه بات حاجة محلية وخارجية ليبقى في منصبه، تحت عنوان الحفاظ على الإستقرار»، ويعترفون أن «عملية إبتزاز متبادلة تجري بينه وبين فريقي 8 و14 آذار معاً».
يردّ المقربون من ميقاتي على دعوات فريق 8 آذار له لمواجهة تيار المستقبل، فيردّون أن ميقاتي «ليس في وارد المواجهة أصلاً»، معتبرين أن موقفه من القانون الأرثوذكسي الذي رفضه، «يقع ضمن خانة رفضه توجيه ضربة سياسية قاسية لطائفته، بمعزل عن تيار المستقبل».
ويشير المقربون من ميقاتي إلى أن الحلفاء والخصوم «وضعوه ووضعوا أنفسهم في وضع صعب للغاية، لأن المرحلة نتيجة تعقيدات الوضع الإقليمي باتت تحتاج إلى حلول كبيرة غير متوافرة بعد، مع الإعتراف أن لبنان جزء تفصيلي من مشكلة المنطقة».

السابق
أول مخيّم للنازحين السوريين في البقاع الأوسط
التالي
الحريري إتصل بالرئيس نبيه بري للتداول بالشأن الانتخابي