جمهورية عرسال الفاضلة

طيلة الاشهر الماضية وتحديدا منذ اندلاع الاحداث في سوريا مثلٌت بلدة عرسال البقاعية نقطة الحربة لمناصري الثورة السورية ومؤيديها، وملجأ امنا واستراحة محارب لعناصر الجيش السوري الحر. في سياق الاحداث وما رافقها من تصريحات ومواقف "الويل والثبور" التي لطالما توعد بها رئيس بلدية عرسال علي الحجيري كل من تسول نفسه التطاول على جمهوريته الفاضلة بحدودها المترامية الاهداف والنوايا على امتداد الخط الفاصل بين لبنان النأي بنفسه وسوريا الباحثة عن متنفس لأزمة باتت تقبض على انفاس الدولة والشعب. عرسال هي دولة علي الحجيري بحدّ ذاتها وهو صاحب مقولة شهيرة "لم نتشرف بعد بالدخول الى الدولة".
من الخطأ بمكان ان تتحمل عرسال البلدة بمختلف مكوناتها وحدها مسؤولية جريمة بشعة ارتبكها بعض من شبابها في حق الجيش اللبناني، والتي اهملت وكما جرت العادة ستنسى مع الايام، دون عقاب.

في الحقيقة ان مسؤولية ما حصل تقع على عاتق خطاب سياسي عمره اكثر من اثني عشرة عاما، بدأت مع احداث الضنية في المواجهات التي حصلت بين تنظيمات سلفية والجيش في رأس سنة العام 2000، واستمر لاحقا على شكل احداث متفرقة وملاحقات امنية واستخباراتية على شكل حرب باردة بين الطرفين، كانت احداث نهر البارد في ايار 2007 احد اهم محطاتها حينما اتخذ تنظيم فتح الاسلام وقائده شاكر العبسي نقطة انطلاق لشن سلسلة من الضربات العسكرية استهدفت بأغلبها دوريات وحواجز وتجمعات الجيش اللبناني وتحديدا في مناطق الشمال.

وفق هذا السياق وعلى هذا المستوى من الحرب الدموية بين التنظيمات السلفية والجيش, فإن دور الاخير كمؤسسة عسكرية حاضنة لمختلف الطوائف والمذاهب اللبنانية كان يوجب على الطبقة السياسية صاحبة القرار، في مهمة "الامر لي" ان تتعامل بدقة وحذر مع من اراد ان يجعل من الجيش مجرد كشافة او قوات دفاع مدني لا حول لها ولا قوة. واذا ما استثنينا الدور التوافقي الذي اداه الجيش في خضم احداث ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 وما رافقه من مواجهات واعتصامات واحداث امنية خطيرة فإن التلحين على نغم استهداف الجيش بدأ يتكرس واقعاً بعد خروج فريق سعد الحريري من الحكم وبدء الاحداث في سوريا، حينما اراد البعض منه ان يستعيض عن عبارة العين الساهرة على تطبيق سياسة النأي بالنفس العليا الى توريطه وان في غض الطرف عن عمليات تهريب سلاح ومسلحين باتت لا تحتاج الى دليل او برهان لاثبات صحتها.

من يتحمل مسؤولية عرسال، ليس الجيش الداخل الى بلدة لتوقيف مطلوب للعدالة بل من يتحمل المسؤولية اصحاب ذلك الخطاب المعادي لعقيدة الجيش، من الذين وفروا بيئة او بيئات تحتض مئات المطلوبين ممن تلخطت ايديهم بدماء الجيش. من يتحمل مسؤولية عرسال ذلك الذي لا يزال على الدوام يشكك في نية المؤسسة العسكرية وبأنتماء قيادتها وعناصرها الوطنية ويصيغون المبررات لما حدث انطلاقا من فرضية ان طائفة معتدية واخرى معتدى عليها. من يتحمل مسؤولية عرسال ذلك الذي وفر كرم الضيافة فتح قلبه وابوابه لعناصر الجيش السوري الحر ولجبهة النصرة فيما اغقلها في وجه جيشه. من يتحمل مسؤولية عرسال طبقة سياسية تنافق على دماء جيشها، طبقة ترسم خطوطا حمراء لجيشها ولا تطلق يده إلا عند سيلان دمه.

السابق
أسرع الهواتف الذكية
التالي
مجهولون كسروا زجاج نوافذ الشؤون الاجتماعية في بنت جبيل