ما “السر الدولي” وراء انفجار المنطقة العربية؟ (الحلقة-3)

استعرضنا بالأمس الأفكار الرئيسة في كتاب إيمانويل تود "مابعد الامبراطورية"، وأبرزها قوله: "كل شيء يدل على أن الولايات المتحدة ، ولسبب غامض ، تعمل للحفاظ على درجة من التوتر الدولي : حالة حرب محدودة ولكن دائمة".

واليوم، سنكتشف أن لتود على مايبدو العديد من الأنصار في هذا التحليل.
فمركز الأبحاث "غلوبال ريسشرش" عزف الأنغام التودية نفسها مؤخراً، حين اعتبر أن نار الحرب الأهلية السورية هي مجرد جزء من حريق ضخم في العديد من مناطق قارة أوراسيا، هدفها الرئيس تغطية الانحدار الاقتصادي الأميركي وتبرير استمرار الهيمنة الأميركية على العالم.
الدراسة كانت بعنوان: سيناريو إسرائيلي- أميركي: قسِّموا سورية، قسِّموا كل شيء" (*)، وهي تضمنت الأفكار الرئيسة التالية:
– عدم ممانعة أميركا لتقسيم سورية، هو جزء من محاولاتها لتقسيم قارة أوراسيا والحفاظ على تفوقها كقوة عظمى. واشنطن لارحمة لديها لا لأصدقائها ولا لخصومها، وبلدان مثل تركيا والسعودية ستستخدم في خاتمة المطاف كجنود يمكن الاستغناء عنهم.
– الاستراتيجيون الأميركيون يريدون أن تتحوّل المنطقة الممتدة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى القوقاز وآسيا الوسطى والهند، إلى ثقب أسود من الحروب، أو لما وصفه بريجنسكي بـ"بلقنة أوراسيا".
– العرب والإيرانيون والأتراك يتجهون إلى نزاع رئيس، لأن الولايات المتحدة تخسر وضعيتها كقوة عظمى. إذ كل ماتبقى من عناصر القوة لدى هذه الدولة العظمى هي القوة العسكرية. وهكذا كان الأمر نفسه في الاتحاد السوفييتي في أيامه الأخيرة، فهو امتلك القوة العسكرية لكنه كان يعاين اضطرابات اجتماعية وانحداراً اقتصادياً قبل انهياره.
الوضع في أميركا الآن غير مختلف كثيراً عن الوضع السوفتييتي، إن لم يكن أسوأ: فواشنطن مفلسة، ومنقسمة اجتماعياً، ويزداد فيها الاستقطاب العنصري، ونفوذها الدولي ينحدر بسرعة. لكن النخب الأميركية مصممة على مقاومة مايبدو أكثر فأكثر أنه خسارة لوضعية القوة العظمى وللإمبراطورية الأميركية.
– يبدو أن إشعال النيران والفتن في أوراسيا هو رد واشنطن على وقف انحدارها. وهي تخطط لحرائق كبرى تمتد من المغرب وحوض البحر المتوسط إلى حدود الصين. وهذا التوجّه بدأ حتى قبل ثورات الربيع العربي، حين عمدت الولايات المتحدة إلى خلق عدم الاستقرار في ثلاث مناطق: آسيا الوسطى (مع حروب أفغانستان)، والشرق الأوسط(مع حصار ثم غزو العراق)، وشمال إفريقيا(مع تقسيم السودان).

هل ثمة مبالغات ما في هذه المحصلات؟
لايبدو أن الأمر كذلك.
فعلى رغم أن الولايات المتحدة انسحبت من العراق وتستعد للخروج العسكري نهائياً من أفغانستان، إلا أنها تستعيض عن ذلك بتوجهين إثنين: الأول، الاستعداد لمجابهات عامة في منطقة آسيا- الباسيفيك من خلال استراتيجية "الاستدارة شرقاً" (Pivot strategy ) التي أشرنا إليها قبل أيام في هذه الزاوية. والثانية، "النأي بالنفس" عن أي سياسات قد تؤدي إلى الاستقرار في الشرق الأوسط، سواء من خلال تسوية النزاع العربي- الإسرائيلي المديد، أو عبر مساعدة ثورات الربيع العربي على تخطي المراحل الانتقالية الصعبة إلى الديمقراطية، أو أخيراً من خلال العمل على إطفاء الحريق السوري الذي قد يتحوّل قريباً إلى حريق إقليمي شامل يبتلع العراق ولبنان وبقية المشرق وربما أيضاً إيران وتركيا.
وفي حال تواصلت هذه التطورات على هذا النحو، ستتتراقص كل قارة أوراسيا بالفعل على شفير ذلك الحريق الكبير الذي اتهم تود وغلوبال ريسيرش الولايات المتحدة بإشعاله، كوسيلة للحفاظ على دورها العالمي.
لا بل أكثر: ألمحت صحيفة "فايننشال تايمز" الرزينة مطلع هذا الشهر (4 شباط/فبراير الحالي) إلى أن واشنطن تبدو غير متضايقة من تصاعد النزعات القومية المتطرفة في كل من اليابان والصين، "الأمر الذي جعل ظلال الحرب العالمية الأولى العام 1914 تخيّم فوق منطقة الباسيفيك"، على حد قولها.

على أي حال، الرئيس الأميركي أوباما آت إلى الشرق الأوسط خلال الشهر المقبل. وهذه ستكون مناسبة جلى لاختبار مدى صحة أو خطل كل هذه الاستنتاجات.
فإذا ما أدّت الجولة إلى دفع المنطقة نحو الحلول السياسية والتهدئة، ستكون هذه إشارة إلى أن الاتهامات لواشنطن بإشعال الحرائق في أوراسيا لاتعدو كونها صفحة أخرى من كتاب نظرية المؤامرة. أما إذا حدث العكس، فستكون الاتهامات لها صفحة أخرى ولكن من كتاب آخر يدور حول "مؤامرة" حقيقية لانظرية.

السابق
الجراح: نتوقع انتاج قانون واجراء الانتخابات في موعدها
التالي
حرب بعد لقائه بري: متمسكون باجراء الانتحابات بموعدها