حرب سنيّة – شيعيّة

يذهب المفاوضون الايرانيون غداَ الى العاصمة القازاقية، ألماتي، وبين أيديهم ملفات لا تقتصر على برنامجهم النووي. يبدون استعدادهم للمساومة على كل القضايا الساخنة في الشرق الأوسط. يضعون نفوذهم في المنطقة العربية على طاولة المساومات مع الغرب.
تدفع الولايات المتحدة غالياً بعض أثمان حربها الباردة مع الإتحاد السوفياتي، بينما ينعم الايرانيون بهديتين ثمينتين. جاءهم من يخلصهم من عدوين لدودين على حدودهم: أفغانستان الطالبانية والعراق البعثي. لم يحسب الأميركيون جيداً نهاية دعمهم "المجاهدين" من أجل اخراج القوات السوفياتية من أفغانستان. لا يزال حيّاً جرح هجمات 11 أيلول 2001 التي نفذها تنظيم "القاعدة"، ولا تزال الحرب مع حركة "طالبان على اشدها". يحتاجون الآن الى استرضاء طهران كي يحسنوا شروط الخروج الآمن من أفغانستان في نهاية سنة 2014.
وكذلك لا يعرف أحد كيف أوصلت "هستيريا" مكافحة الإرهاب الجيوش الأميركية الى العراق عام 2003. انتهى جور صدام حسين ونظام البعث الرهيب. غير أن رحيل الاحتلال لم يكن إلا مؤشراً إضافياً لتعاظم النفوذ الايراني في هذا البلد العربي. يتصاعد غليان خطر من مناطق السنّة بسبب هيمنة القوى الشيعيّة المدعومة من طهران على كل مقدرات العراق.
لا يحتاج هذا الدور الى برهان في سوريا، حيث يتغيّر النزاع من انتفاضة شعبية على الاستبداد الى حرب بالوكالة، طائفية طاحنة. تدعم ايران العلويين، مع أن هؤلاء في نظر الشيعة "فرقة هراطقة" خرجت من المذهب الإثني عشري، بينما تساند السعودية وقطر تشكيلات مختلفة من الجماعات السنيّة المتطرفة. يحاول "حزب الله" في لبنان أن يضطلع بدور حرج للغاية في محاولة منع انهيار محور هذا "الهلال الشيعي" المحاذي لاسرائيل. لا تبذل القيادة الايرانية جهوداً موازية لما يقوم به المجتمع الدولي من أجل منع امتداد الأزمة السورية الى الجوار الأكثر هشاشة. حسبها فقط أن اسقاط الرئيس بشار الأسد "خط أحمر".
تصل الذراع الايرانية الى البحرين، حيث لم تستفد السلطات هناك حتى الآن من التقرير الثمين الذي أعدته عام 2011 اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة البروفسور محمود شريف بسيوني. تستعيض المنامة عن الحوار الوطني الجدي بتكرار الإتهامات لطهران بالتدخل.
لا ينتهي هذا النفوذ عند حدود اليمن، إذ تعرض السلطات الايرانية تيسير الحوار الوطني العتيد بين القوى اليمنية المختلفة، ملمحة ضمناً الى "تأثيرها" على الحوثيين وبعض قوى الحراك الجنوبي. تنفي طبعاً أي صلة لها بشحنات الأسلحة التي تصل الى اليمن، ومنه حتى الى الصومال. ماذا عن السودان؟
ذهب الإسرائيليون بعيداً في تضليل العالم من حيث اقتراب ايران من صنع قنبلة ذريّة. لا يعاني الأميركيون هذا الرهاب. يسعون الى تسوية على البرنامج النووي فحسب. ماذا يضير هؤلاء وأولئك إذا كان الايرانيون يجازفون، من حيث يدري البعض أو لا يدري، بإشعال حرب سنيّة – شيعيّة؟

السابق
اللبنانيون يبحثون عن ثورة
التالي
جنبلاط: الزيارة الحائرة