جنبلاط: الزيارة الحائرة

يسود الاعتقاد في الشارع اللبناني، ورغم مرور أكثر من أسبوع، انّ هناك عدداً من الخبايا لم تكشف عن زيارة وليد جنبلاط إلى السعودية، وأنّ التقييمات الفورية والمباشرة لم تصل إلى حقيقة ما جرى، وبالتالي ما هي طبيعة العلاقة الحالية التي تربط المملكة بجنبلاط انطلاقاً من أسئلة عدّة، وعدد من التصريحات منسوبة او مجهولة المصدر، وعدد من المقالات بعضها إيجابي وبعضها سلبي، وصل إلى حدّ طرده، حسب صحيفة «البورصة السعودية الالكترونية».
بعض التصريحات المحلية التي اعتمدت على مصادر جنبلاطية، أكدت انّ الزيارة ناجحة، وقد فتحت أبواباً موصدة منذ أكثر من سنتين، تاريخ التحوّل الجنبلاطي الأخير نحو حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتخليه عن شراكته المباشرة مع «تيار المستقبل» وقوى 14 آذار المدعومة من السعودية والولايات المتحدة وحلفائهما. وان هذه الزيارة شملت الأميران بندر ومقرن ووزير الخارجية سعود الفيصل. حيث بحثت القضايا التي كان يحملها جنبلاط في جعبته، وعلى رأسها، تجنيب لبنان من الانزلاق إلى الفوضى المستشرية في العالم العربي، وتحديداً عدم نقل الصراعات القائمة في سورية إلى لبنان والدخول في حروب طائفية ومذهبية جديدة.
بعض الصحف ووكالات الأنباء قالت، واستناداً إلى مصادر مطلعة، انّ جنبلاط حصل على وعد بمنحة مالية تبلغ 75 مليون دولار مقسّطة، بعد تدخل الولايات المتحدة إيجابياً لصالحه، قبض القسم الأول منها بعد عودته إلى بيروت بواسطة السفارة السعودية. مقابل عودته إلى أحضان قوى المعارضة ومقاربة موضوع سلاح حزب الله بطريقة مختلفة عن السابق.
غير انّ مصادر أخرى كان لها رأي آخر في الزيارة ونتائجها، استناداً إلى عدد من المعطيات. فالزيارة التي جاءت بشكلها المباشر القيام بواجب التعزية بأمير الرياض سطام بن عبد العزيز، وبعد مباحثات مع سعد الحريري في باريس، لم تخرج عن الإطار التقليدي بدليل المستوى المتدنّي للقاءاته التي اقتصرت على النائب الثاني لمجلس الوزراء، ورئيس المخابرات العامة. وشككت هذه المصادر بلقائه وزير الخارجية، كما أنها لم تصل إلى ما وعده الحريري في ما خصّ العاهل السعودي وولي عهده. وهذه المسألة لها دلالات بروتوكولية مهمّة. خاصة اذا ما أخذنا في الاعتبار استقبال المرجعيتين لكل من رئيس الوزراء اللبناني وقبله قائد «القوات» سمير جعجع في أوقات سابقة.
من الناحية البروتوكولية بقيَ رئيس الحكومة هو المعتمد من قبل المملكة على الصعيد الرسمي، كما بقيَ سمير جعجع ممثلاً معتمداً للمعارضة اللبنانية مع ما يترتب على هذا الاعتماد من الاستحواذ على صندوق الدعم السعودي المالي والمعنوي السياسي.
تسلّح هذا الطرف الأخير لتعزيز وجهة نظره بالهجوم الذي شنّته صحيفة الوطن السعودية وبعض الصحف الأخرى على جنبلاط في يوم مغادرته للسعودية، واتهامه بالابتزاز والتلوّن وانحيازه إلى الحلف الإيراني وغيرها من النعوت.
مهما كانت هذه التحليلات، بدقتها وصحتها، والحقيقة والدوافع التي تكمن خلفها، يبقى هناك عدد من الأسئلة قد تبقى في الأمانات حتى يحين موعد كشفها:
هل كُلّف جنبلاط بمهمة جديدة في ما خصّ لبنان وسورية بعد زيارته إلى موسكو الشهر الماضي؟
هل الهجوم الذي شنّته الصحف السعودية هو تغطية لمهمة مستقبلية في الداخل السوري؟ كي يصبح مقبولاً من القيادة السورية بعد مواقفه السابقة؟
هل كُلف وليد جنبلاط، وبالتنسيق مع نجيب ميقاتي، قيادة مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة من قبل المحور السعودي، باعتبار ان قوى 14 آذار قد وصلت إلى الإفلاس؟ وعلى قاعدة قانون انتخابي يضمن لجنبلاط موقع بيضة القبان في أرجحية الدفة السياسية؟
هل يقبل وليد جنبلاط تقدّم سمير جعجع عليه، بعدما كان هو القائد الفعلي للمعارضة، بل للأكثرية قبل خروجه منها؟ أم هل أدرك جنبلاط، انّ ربح قوى 14 آذار الانتخابات سيؤدّي إلى انتخاب جعجع رئيساً، وهو ما لا يستطيع قبوله وتحمّله بناء على الثوابت الجنبلاطية في محاربة اي رئيس جمهورية لا يخضع لسياسته المباشرة.
هل كان جنبلاط يقوم بعملية ابتزاز، كما قالت عنه الصحيفة السعودية وانكشفت أوراقه؟
الواقع ان جنبلاط الآن، بالتأكيد ليس كما كان، ولن يعود إلى ما كان عليه، وواقع تحالفاته المقبلة ستظهر حقيقة موقعه ودوره، او على الاقل تجلي مضمون هذه الزيارة الحائرة بين الإيجاب والسلب.

السابق
حرب سنيّة – شيعيّة
التالي
لبنانيو الخليج ولامبالاة المسؤولين