تعدّدت الأسباب والتأجيل واحد

كثيرة التعليقات التي صدرت خلال اليومين الأخيرين حول الاقتراح الانتخابي الذي تقدّم به "اللقاء الارثوذكسي" والذي نصّ على أن تنتخب كل طائفة، بل كل مذهب، نوابه، لكن الأبرز كان لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي حسم قراره الطعن فيه أمام المجلس الدستوري، وقطع مزايدات "قادة" الموارنة الذين تبنّوا هذا الاقتراح التفتيتي، وأطلق صرخة "أنا الماروني الأول".
غير أن اللافت أيضاً كان التصريح الذي أدلى به أمس رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط الذي قال إن لديه "معلومات" أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي " لن يسمح بإقرار مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي لأن مكونات أساسية من الشعب اللبناني غائبة عنه".
بين "حسم" سليمان، و"تطمينات" جنبلاط، يمكن القول إن مشروع "اللقاء الارثوذكسي" انضم إلى لائحة المشاريع الانتخابية التي أعلن عن وفاتها لكن موعد مراسم الدفن لم يحدد بعد، وهو لن يحدد رسمياً إلا بعد الاتفاق على قانون انتخابي مبني على قاعدة المختلط يحال على الهيئة العامة لمجلس النواب لإقراره ودعوة الهيئات الناخبة لممارسة حقها بموجبه.
الاتصالات مستمرة، وهي ستستمر طالما لم يتم الاتفاق على المشروع، لكن ذلك يجعل موعد الانتخابات في حزيران المقبل في مهب الهواء، و"واقعية" وزير الداخلية والبلديات العميد مروان شربل الذي عبّر عن "قناعته" الشخصية بأن لا انتخابات في الربيع المقبل، تشكّل نوعاً من المعضلة التي يجب السعي إلى إيجاد حل لها، ربما قبل الاتفاق على المشروع الانتخابي.
فتأجيل الانتخابات "لأسباب تقنية" أو لعدم وجود مشروع قانون جديد، يعني التمديد لمجلس النواب الحالي، وهذا أمر أعلن رئيس الجمهورية أنه لن يقبل به إطلاقاً، ولنسلّم جدلاً أن التوافق على القانون الانتخابي العتيد حصل فذلك يجب أن يكون قبل التاسع من آذار المقبل، وهو الوقت الذي يسمح لوزير الداخلية الدعوة قبل 90 يوماً للهيئات الناخبة لممارسة حقها.
لكن المشروع المختلط الجاري الحديث عنه، يعني إجراء قسم من الانتخابات على أساس نظام النسبية، وما يعني ذلك من تحضيرات ضرورية لوزارة الداخلية إن لناحية طبع القوائم الانتخابية الرسمية، أو لناحية تدريب الموظفين في أقلام الاقتراع على كيفية إدلاء الناخبين بأصواتهم، ومن ثم كيفية احتساب هذه الأصوات على الطريقة النسبية لإعلان الفائزين.
وأهم من كل ذلك، هو ما قاله شربل ايضاً من أن الترشيحات بموجب قانون النسبية مسألة على المرشحين أخذها بالاعتبار وتقرير ما إذا كانت ترشيحاتهم على المقعد النيابي ستكون بموجب النظام الأكثري أو النسبي، وما يعني ذلك من إعادة درس جميع الاحتمالات بالنسبة للمرشحين، لمعرفة المقعد الذي سيترشحون إليه ووفقاً لأي قاعدة.
ويقول عضو جبهة "النضال الوطني" النائب أكرم شهيب إن الاتصالات والاجتماعات المتواصلة تسعى للوصول "إلى توافق على صيغة انتخابية لا تلغي أحداً، ولا تضمن هيمنة فريق على آخر، والأمل كبير في أن يصار إلى بلورة هذا الاتفاق في مهلة لا تتعدى الأيام ألـ 15 المقبلة".
يضيف "لبنان لا يمكن أن يحكم بصيغة غالب وبوجود فريق مغلوب. لبنان لا يحكم إلا بالتوافق وهذا ما نسعى إليه مع جميع الأطراف ولم ولن نستثني أحداً من اتصالاتنا وقد عبّرنا عن ذلك من خلال المبادرة التي طرحها النائب وليد جنبلاط".
ويؤكد شهيب أن "التواصل مع تيار المستقبل والعمل المشترك بغية بلورة مشروع اقتراح انتخابي، لا يعني أن ذلك سيكون مبنياً على حسابات الربح لنا والخسارة للآخرين، بل على قاعدة أن يضمن أوسع نسبة من صحة التمثيل لجميع أطياف الاجتماع اللبناني، وأن يحظى بقبول كافة الأطراف بدءاً من الرئيس سليمان والرئيس بري والرئيس ميقاتي، وصولاً إلى كافة القادة السياسيين في البلد".
لكن النائب الاشتراكي كان عملياً حين قال إن "الوقت محشور ويجب أن نعمل بأسرع ما يمكن لكي نستطيع احترام الموعد الدستوري لإجراء الانتخابات النيابية في حزيران المقبل".
لا انتخابات في حزيران المقبل إلا إذا تم اعتماد قانون الستين، وهو القانون الذي يضمن أن التجهيزات اللوجيستية التابعة لوزارة الداخلية جاهزة، ويمكن إجراء الانتخابات النيابية بموجبه في موعدها الدستوري دون أي إبطاء أو تأجيل، اما خلاف ذلك، فالقول لوزير الداخلية: "لا انتخابات في حزيران المقبل".
لا انتخابات في حزيران المقبل لأن قانون الستين حصل على نعي رسمي من الرئيس بري، وهو يحظى بمعارضة شديدة من قبل المسيحيين الذين من رأس هرمهم "الماروني الأول" مروراً بالبطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وصولاً إلى إجماع "عوني" قواتي" كتائبي" على رفضه، وهو ما دفعهم باتجاه تبني المشروع الارثوذكسي.
إذن، فلنلغ من قاموسنا السياسي "شعار" احترام المواعيد الدستورية والإصرار على إجراء الانتخابات الرسمية في موعدها، ولنعلن عن الوسائل المتاحة لتمرير التمديد لمجلس النواب، وتحديد هذه المدة، فنريح بذلك أعصاب اللبنانيين الذين لا يأكلون ولا يشربون سوى "قانون الانتخابات" ويتلهون بمتابعة أخبار اللجنة الفرعية طوراً وجلسات اللجان النيابية المشتركة طوراً، ودائماً، مناكفات السياسيين ونقاشاتهم التي تشكّل غذاء يومياً لهم، لكنه لا يسمن ولا يغني من جوع.
التأجيل أمر واقع، لكن هل من يتجرأ على الإعلان عنه الآن قبل أن يتيّقن اللبنانيون أن لديهم "نسبة" من الوعي السياسي الذي حوّلهم جميعهم إلى سياسيين؟

السابق
النساء بغزة يبنون خيمات التضامن مع الاسرى بسواعدهن
التالي
احذر التعليم الإلكتروني