تأييد حزب الله للأرثوذكسي مجرّد مناورة

أيّ متابعة لمسألة إدارة «حزب الله» لملفّ العلاقة مع حلفائه تُظهر حرصه الدائم على توفير المخارج التي ترضي الجميع من دون أن يعطي أيّ طرف فرصة تسجيل انتصار على الطرف الآخر أو منحه حجّة الخروج من التحالف معه، وهذا أقلّه ما أظهرته التجربة الحكوميّة بين مكوّنات لا جامع بينها سوى الحزب.

لا خلاف مبدئيّاً على أنّ الأرثوذكسي يعطي "حزب الله" الأكثرية النيابية التي تخوّله استلام السلطة ديموقراطيّاً من دون اللجوء إلى السلاح، ولكنّ هذا المشروع الذي يؤمّن مصلحة النائب ميشال عون يفجّر بالمقابل العلاقة مع حلفاء الحزب داخل الطائفة السنّية وتحديداً مع النائب وليد جنبلاط، ما يجعل فوزه بالأكثرية محفوفاً بخسارة الغطاءين السنّي والدرزي، الأمر الذي يفوّت عليه تشكيل الحكومة التي تشكّل هدفه الأوّل والأخير للقبض على السلطة أو مواصلة إمساكه بهذه السلطة.

على رغم تعويل "حزب الله" الكبير على الغطاء المسيحي الذي يوفّره له عون، ولكنّه لم يبدّ يوماً تحالفه مع الأخير على حساب علاقته مع الرئيس نبيه برّي أو الرئيس نجيب ميقاتي أو جنبلاط، لا بل حاول باستمرار تدوير الزوايا للحؤول دون تفجّر الخلاف فيما بين هذه القوى، لأنّ أيّ خلاف من هذا النوع يكون الحزب الخاسر الأكبر فيه، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه، ما العوامل التي تستحقّ أن تدفع به لأن يبدّل في قواعد اللعبة، وهل هو قادر على إلزام "شركائه" المسلمين بالسير في هذا الخيار؟

يدرك الحزب مدى حساسية المسألة الانتخابية لدى جنبلاط، ويدرك أيضاً أنّ أوّل خرق لما نصّ عليه اتّفاق الطائف انتخابيّاً على مستوى اعتماد المحافظات كان من أجل إرضاء الزعيم الدرزي، ويدرك أيضاً أنّ كلّ القوانين الانتخابية التي فُصّلت منذ العام 1992 فُصّلت على قياس جنبلاط، وبالتالي بمعزل عن صحّة هذا التوجّه أو خطأه، خصوصاً أن لجبل لبنان الجنوبي خصوصية تاريخية وخشية درزية من ضرب المتنفّس الوحيد لهذه الطائفة في لبنان، فإنّ الأرثوذكسي هو بمثابة لغم درزيّ في حضن "حزب الله".

وفي موازاة ذلك يدرك الحزب أنّ ميقاتي الذي حمّله أكثر من طاقته على الاحتمال بترؤس حكومة في مواجهة الشارع السنّي وفي ظروف كانت مؤاتية قبل اندلاع الثورة السورية، لا يحتمل رئيس الحكومة وزر تحميله تغطية تمرير الأرثوذكسي، ومواقفه المعلنة الرافضة لهذا المشروع ليست مناورة، إنّما تعبير عن عدم قدرته على تحمّل مسألة مرفوضة بالمطلق من قبل الشارع السنّي، وتكفي العودة أيضا إلى مواقف محمد الصفدي وعمر وأحمد كرامي وصولاً إلى أسامة سعد لتُظهر المأزق الذي سيواجه الحزب بعد الانتخابات على الرغم من نيله الأكثرية والمتمثل بتعذّر تسميته رئيساً للحكومة في استعادة لتجربة رؤساء الجمهوريات مع رؤساء الحكومات في الجمهورية الأولى.

فالحزب بهذا المعنى بأمسّ الحاجة لأكثرية نيابية تعطيه الشرعية التي افتقد إليها ودفعته إلى استخدام وسائل عسكرية وأمنية أضرّت بصورته أو فضحتها على حقيقتها، ولكنّه ليس مستعدّاً بالمقابل للحصول على هذه الأكثرية من دون القدرة على ترجمة انتصاره حكوميّاً، أو التأسيس لواقع سياسيّ يؤدّي عاجلاً أو آجلاً إلى الانفجار في وجهه على غرار تعامل حليفه السوري مع الجماعتين السنّية والدرزية بعد المسيحية، وفي ظلّ واقع متفجّر أصلاً وغير مستقرّ ربطاً بالأزمة السورية وتصاعد المشاعر الإسلامية، خصوصاً أنّه مقابل مواصلة سياسة التضييق على "المستقبل" عليه ترييح حلفائه السنّة والدروز لا استفزازهما، والأرثوذكسي يشكّل في هذا المجال أكبر تحدٍّ لهما.

وحيال إدراكه أنّ هذا المشروع يفقده الغطاءين السنّي، ولو بحدّه الأدنى، والدرزي، ويساهم في ارتفاع منسوب الاحتقان المذهبي، ويشرّع الباب أمام عدم الاستقرار، ويجعله ينكفئ إلى داخل طائفته، ويفوّت عليه فرصة مواصلة إمساكه بمفاصل السلطة، لم يكن في أيّ لحظة بوارد الذهاب بـ"الأرثوذكسي" حتى النهاية، بل كان كلّ قصده إعادة تعويم حليفه العوني شعبيّاً بعد التراجع الهائل الذي أصابه، وقد نجح جزئيّاً في هذا المجال، فيما كان وما زال يعمل على صيغة من صيغتين: إنتخابات معروفة النتائج يكون "جنبلاط" بيضة قبّانها تعيد إنتاج المشهد الحكومي نفسه، أو تأجيل الانتخابات حتى إشعار آخر.

السابق
عن الشعوب في بلاد العرب
التالي
جوزيف سماحة… أوّل الحبّ!