اللبنانيون يبحثون عن ثورة

استكان اللبنانيون طويلا إلى مساحات من الحرية في السياسة والعيش والثقافة ميزت بلدهم، حتى ثبّتوا في وجدانهم قناعة ساذجة طابت لهم وهي أن هواء لبنان يتنفس حرية. ولم تستطع الحروب والاحتلالات والاهتزازات السياسية والانقسامات أن تزلزل تلك القناعة تماما، على الرغم من أن الحرية وفق النموذج اللبناني جرى تقويضها بسرعة أحيانا وببطء في أحيان أخرى خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

أتت الثورات العربية لتعرّي الكثير من زيف وبساطة الحرية في لبنان التي تقف اليوم عاجزة عند السلاح المطبق على الحياة السياسية وعند الطوائف المستنفرة غرائزيا كما لم يسبق لها من قبل وعند لحظة اشتباك إقليمي لا طاقة للبنان على النجاة من تداعياته. باتت شعارات غرافيتي على الجدران أو جمل على «فيس بوك» أو مقاطع من أفلام يمكن أن تسبب ملاحقة لأصحابها، فيما فشل الحراك المدني اللبناني في تثبيت معنى فعلي للمواطنة يمكن أن يكافح من أجله، ما زاد من شعور اللبنانيين أنهم بحاجة لثورة حرية دون أن يجدوا سبيلهم إليها.

التوق إلى هذه الثورة تجدد بدماء حارة الأسبوع الماضي، مع تحول قانون انتخاب على أساس مذهبي إلى شبه واقع في الحياة اللبنانية. على الماروني أن ينتخب مارونيا، كذلك الأمر بالنسبة إلى السنة والشيعة والطوائف الـ18 في لبنان. وحدهم اليهود بحسب هذا القانون العجيب يمكن أن ينتخبوا الجميع.

اكتشف من تظاهروا خلال الأشهر الأخيرة مطالبين بدولة مدنية وبالحق في عقد زواج مدني وبمنح اللبنانية الجنسية لأطفالها وبقانون يحمي المرأة من العنف أن عليهم أن يعودوا إلى مذاهبهم وطوائفهم ويبحثوا عن أحلامهم ضمن حدود ما تسمح به تلك الطوائف.

اصطدم لبنانيون ولبنانيات بحقيقة أن الانقسام في بلدهم أكبر من غضبهم وحزنهم فهرعوا يفرغون جرعات الغضب من قانون الانتخاب المذهبي المعروف بالقانون الأرثوذكسي عبر مساحات الإعلام البديل.. وهجرة اللبنانيين نحو الإعلام البديل تأخرت مقارنة بدول الربيع العربي. إذ كان الانقسام العمودي السياسي والمذهبي في الإعلام اللبناني قد سمح للمجموعات السياسية أن تعبر عن نفسها ولو بأبشع الصور أحيانا عبر الإعلام التقليدي ما أخر الالتحاق بركب عوالم «تويتر» و«فيس بوك» و«يوتيوب».

أيقظ قانون الانتخاب العنصري المسمى بالأرثوذكسي شعورا لبنانيا بالحاجة إلى ثورة تثبت هوية مدنية للوطن. هذا الشعور أطلق مخيلة شبان وشابات فصاغوا شعارات وصوروا أغنيات ومقاطع فيديو تندد وتغضب وتتهكم وتضحك من فكرة تثبيت انتماء اللبناني إلى مذهبه عبر قانون الانتخابات.

عاد النبض إلى شعارات رنانة حول الحرية والثورة والدولة المدنية، لكن ولأننا في لبنان يتردد بعضنا في التفاؤل.. نقاشات صفحات «فيس بوك» والفيديوهات التي ساهمت في حراكات تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا ليس مقدرا لها أن تنجح في لبنان بالضرورة. فالثورة المطوقة بالسلاح وبهواجس الطوائف وبقلق الأقليات لن تسلك طريقها بسهولة.

السابق
العصيان المدني مستمر.. والانتخابات بين المقاطعة والحوار
التالي
حرب سنيّة – شيعيّة