تبّاً للحرّية التي تنادون بها

مؤلمة كانت المشاهد أمس في دمشق، ولا يمكن لأيّ عاقلٍ في هذه الدنيا إلّا أن يذرف الدموع، ويطلق الصرخات حتّى لو في جوّانيّته، ويقول للإرهابيين ولمن يقف وراءهم ويدعمهم.. كفى!
فبأيّ شريعة يحلّل دم الأطفال، ويسفك دم النساء، وتهدر أرواح الشيوخ؟ أيّ حرّية حمقاء هذه التي تنادون بها؟ تبّاً لهذه الحرّية ولكم بئس المصير. تنشدون الحرّية بالقتل، وتطلبون العدل بواسطة الإرهاب، وتطالبون بالديمقراطية وأيدي إرهابييكم على قوابس التفجيرات، أميركية الصنع وصهيونية الروح.
مهما فعلتم، ومهما قتلتم، ومهما فجّرتم، فإنّ العالم يدرك يوماً بعد آخر مدى كذبكم ورياءكم، وإنّ أحرار هذه المعمورة، سيفهمون أنّكم طالبي ذلّ لا حرّية، وأنّكم مريدي الجهل لا التقدّم، ومتوخّي التخلّف لا التطوّر. لعمري أنّكم فهمتم بشكل مقلوب بيت الشعر القائل: وللحرّية الحمراء بابٌ… بكلّ يدٍ مضرّجة يدقّ.
هل تصدّقون فعلاً أنّكم أحرار من بلاد حرّة كي تنشدّوا الحرّية؟ لعمري أنّكم مجرّد دمى تحرّكها خيطان المخرج المسرحيّ المعروف… الصهيونية، وإن لم تكونوا كذلك، فحتماً أنّكم مجرّد عملاء مجانيين، تقدّمون للغرب و«إسرائيل» ما يبغيانه مجّاناً.
دمشق أمس كانت حزينة، حيّ المزرعة كان حزيناً، شارع الثورة كان حزيناً، الميدان وباب توما، الحميدية وركن الدين، قاسيون من عليائه، الياسمين في عبقه الأبيض، الجلنار في زهوّ احمراره، بائع الخضار وسائق التاكسي، العامل التلميذ والطالبة الجامعية، أبناء الحارات، وأهل الشام كلّها، ومعهم كلّ من يحب الشام وعبق الشام وتاريخ الشام، كلّهم انحنوا أمس حزناً أمام هول المشهد. عشرات القتلى، أشلاء، شهداء، شهداء أطفال، وبنى تحتية مدمَّرة، وإعمار يحترق، كلّ ذلك بِاسمِ الحرّية؟ تبّاً لهذه الحرّية.
أضحى جليّاً أنّ المجموعات الإرهابية، وما يسمّى بـ«الجيش الحرّ» ـ تعمّدت هنا نزع صفة «سوري» عنه ـ وما يسمّى بـ«جبهة النصرة»، و«كتائب الفاروق»، وما إلى ذلك من مسمّيات، أضحى جليّاً أنّها تعمد إلى التفجيرات الكبيرة، كلّما تقدّمت المساعي إلى حلّ الأزمة في سورية عن طريق الحوار، والقاصي والداني باتا يعرفان، أن طلاب الحرّية هؤلاء، لا يريدون سوى التدمير والقتل، كي تُنهَك سورية، ظنّاً منهم أنّ عودها ليّن، وأنّ شوكتها بالسهولة تنكسر، لكنّهم مخطئون، فدمشق التي تقهقرت على أبوابها أعتى جيوش العالم، ورحلت عن أحيائها أقوى جيوش الدنيا، لا يمكن أن تنهزم.
دمشق التي تعدّ أقدم مدينة ما زالت مأهولة في العالم لا يمكن لنجمها أن يأفل، ولا لقاسيونها أن ينحني، ولا لريفها أن يندثر، ولا لغوطتها أن تنقهر.
قساوة المشاهد أمس، ولّدت فينا الألم، وفجّرت في مآقينا الدموع، ولكن، ومن باب الحشرية، وددت أن أعرف كيف تغطّي قناة «العربية» العبرية التفجير الذي وقع في دمشق، فإذ بها، وبكلّ وقاحة، وبكل تكاذبٍ على ما يسمّى «موضوعية الإعلام»، تجري مقابلة عبر الأقمار الاصطناعية، مع مسؤول في ما يسمّى «مجلس اسطنبول»، الذي بدوره كان يتشدّق قائلاً، أنّ المعارضة لا تجلس إلى أيّ حوار، ما لم يرحل الرئيس بشّار الأسد.. أضحكتني يا مسؤول، وفي عينيّ ما زالت الدموع ساخنة على ضحايا التفجير. وللوهلة الأولى فكّرت في أنّ نبأ التفجير لم يصل بعد إلى «العربية» وضيفها، فحتّى الشريط الإخباري في أسفل الشاشة لم يذكر شيئاً عن الحدث.
يا جماعة «الإعلام الموضوعي»، أريحوا فضولنا قليلاً واْتوا على ذكر الخبر، نرضى به حتّى لو مختصراً جدّاً، أو حتّى لو مشوّها أو مقلوب الحقيقة، ولكن أن تغيبوا عن تفجير بهذه الفداحة، فهو عيب أكثر فداحة.
أخيراً، اعلموا يا جماعة الإعلام المتصهين، ويا جماعة طالبي الحرية المتصهينين، ويا أيّها المبشرون بالإمارات الإسلامية المتطرّفة أن دمشق منتصرة، وأنّكم إلى الهزيمة سائرون، وأنّ الدول التي تدعمكم اليوم، ستتخلّى عنكم غداً، لأنّ دمشق ما اعتادت الذلّ أبداً، بل بقيت، منذ خمسة آلاف سنة وحتى اليوم، أبيّة وحرّة وقوية.

السابق
إسرائيل تقيم مخيماً وبوابة عند الحدود السورية
التالي
انتقادات لقرار مرسي بتحديد موعد الانتخابات