الإتحاد الأوروبي وحزب الله


جددّ الإتحاد الأوروبي عقوباته المفروضة على سوريا لثلاثة أشهر إضافيّة، ورفض مَدّ المعارضة السوريّة بالسلاح، ولم يأتِ على ذكر التحقيق البلغاري في البيان الختامي. وظهر انقسام واضح بين وزراء الخارجيّة حول الملف السوري: مجموعة تدفع باتجاه رفع العوائق التي تمنع تسليح المعارضة وتتمثّل ببريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا بدرجة أقلّ، ومجموعة ثانية هي الأكبر، وتشمل الدول الاسكندينافيّة، وبلدان غرب وشمال أوروبا، وترفض التسليح، ومجموعة ثالثة من المتردّدين أو غير المهتمّين، ولا مواقف واضحة وقاطعة لها.

إنسحب التباين أيضاً على الملف البلغاري، وتبيّن أنّ عناصره لم تكتمل بعد، وما قدّمته صوفيا على هذا الصعيد ليس بكافٍ، وهو يُدرس حاليّاً من قِبل اللجان المختصّة، قبل أن يُصار إلى طرحه على جدول أعمال وزراء الخارجيّة، وأسهمت التدخّلات الأميركيّة والإسرائيليّة في توتير الأجواء، وعزّزت شعوراً برفض الإملاءات الخارجيّة لأنّ " للاتّحاد شخصيته المعنويّة، وسياسته، واستراتيجيته، وهو ليس ملزماً بخدمة المصالح الأميركيّة – الإسرائيليّة".

بالمقابل، تنتظر بلغاريا ردّاً رسميّاً من الحكومة اللبنانية على المذكّرة التي سلّمها القائم بالأعمال إلى وزير الخارجيّة والمغتربين عدنان منصور. هذا الردّ قد يتأخّر لاعتبارين، الأوّل: أنّ التحقيق لم يُنجز بعد، فهناك ثغرات قانونيّة، وقد اعترفت السلطات البلغاريّة بذلك باستخدامها عبارة " إشتباه"،
وليس "إتّهام" لحزب الله بالتمويل والتخطيط.

والثاني: كان على السلطات البلغاريّة أن تحترم القواعد الدبلوماسيّة في العلاقات بين الدول، وأن تبادر إلى إبلاغ بيروت بطريقة سرّية حول مجريات التحقيق قبل التشهير والاتّهام، والذي حصل أنّ وزير الداخلية البلغاري قد شنّ حملة شعواء قبل أن يتبلّغ الإتحاد الأوروبي، ولبنان، وسارعت إسرائيل الى التصفيق والاستثمار الإعلامي، والسياسي، وكذلك فعلت الولايات المتحدة، وذهبتا إلى حدّ مطالبة دول الإتحاد بإدراج حزب الله على قائمة الإرهاب قبل أن تعدّ اللجان المتخصّصة في الإتحاد مطالعتها القانونيّة.

في موازاة ذلك، هناك نقاط أربع لا تزال تتفاعل، النقطة الأولى أنّ الإتحاد لا "يشتغل على القطعة"، ولا يعالج الأمور استنسابيّاً، بل من منظار شموليّ يأخذ بعين الاعتبار النواحي الأمنيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة، والتداعيات السلبيّة، وله في كلّ ذلك تقييمه الخاص، والمنفصل كلّياً عن التقييم الأميركي، أو الإسرائيلي.

الثانية، يأخذ الاتّحاد مصالحه ومصالح دوله بعين الاعتبار، قبل الإقدام على أيّ توجّه أو قرار، وهو بهذا المعنى مشارك في القوات الدوليّة العاملة في الجنوب، وجزء لا يتجزّأ من معادلة الاستقرار السائدة على طول الخط الأزرق، وله اتصالات مع الحزب وأيضاً مع الحكومتين اللبنانية والإسرائيليّة لمعالجة كلّ المستجدّات بروح توافقيّة، لذلك فإنّه غير مستعدّ للمجازفة في ظلّ التطوّرات المتسارعة في المنطقة.

الثالثة، أنّ استقرار لبنان خطّ أوروبّي أحمر، خصوصاً في هذه الفترة المضطربة التي تجتازها دول المنطقة، وأيّ استهداف لأيّ طرف شريك في النسيج الداخلي للاستقرار اللبناني، إنّما هو استهداف للسلم الأهلي، ولو كان الهدف هو الاستثمار بالفوضى لكان الأمر قد حصل بُعيد اغتيال اللواء وسام الحسن، ولما سارعت الدول الكبرى يومها إلى تحريك دبلوماسيتها، لتجاوز "القطوع"، ودعوة الأطراف كافّة للحرص على الهدوء والاستقرار.

الرابعة، أنّ الاتّحاد الأوروبي قلق من تداعيات المشهد السوري على الداخل اللبناني، وقلق أكثر من تمادي التورّط اللبناني في الداخل السوري، إنّه بنظره، نوع من "المقامرة، ولكن من رصيد الوطن، ونوع من المغامرة لكن بسلاح الكيديّات والمذهبيات لكشف الساحة الوطنيّة أمام المزيد من الأنواء غير المؤاتية".

بالمقابل، يسجّل الاتّحاد على الحزب مآخذ عدّة، منها تورّطه بأعمال خارجيّة، إن لم يكن في بلغاريا، أو الأرجنتين، ففي سوريا، والبحرين. وإعلانه الوقوف إلى جانب النظام السوري، والدفاع عنه، متحدّياً بذلك إرادة شريحة واسعة من السوريّين، وأيضاً الإرادة الدوليّة.

وخروجه عن سياسة النأي بالنفس التي تلتزم بها الحكومة اللبنانية، وهو شريك أساسيّ في عضويتها. ودفاعه المستميت عن إيران ومصالحها، وعن برنامجها النووي، وعن دورها في الخليج والمنطقة، وهي التي تواجه عقوبات دوليّة.

وهو فئة طائفيّة مسلّحة، تتماثل بها كلّ الفئويات الطائفيّة الأخرى، ويشكّلون معاً ظاهرة مسلّحة غير شرعيّة، أقوى من سلاح الدولة الشرعي، لها مشاريعها الإنسلاخيّة، ومربّعاتها وكونتوناتها الخاصة بها.

وإذا كان ما أعلنه وزير داخلية بلغاريا حول تورّط الحزب بحادثة بورغاس، قد شكّل سبباً، إلى جانب أسباب أخرى، دفعت بالحكومة البلغاريّة إلى الاستقالة، فإنّ الحزب ليس معصوماً، وهو تحت المجهر الأوروبّي، وملفّه مفتوح.

السابق
هكذا تكتشف خيانة الشريك
التالي
مسلحون يقتحمون فيلا هيفاء