هل تسحب أميركا حمايتها للأسر الخليجية الحاكمة؟

 الجدل الساخن لايزال ساخناً في الولايات المتحدة حول الوسيلة الأمثل للحفاظ على الزعامة العالمية الأميركية في القرن الحادي والعشرين. وهو جدل يدور بين معسكرين رئيسيين إثنين:

 
القمة الخليجية: هل تتبدد "الحماية الداخلية"؟؛ الصورة من غوغل
 
الأول، يدعو إلى تقليص الالتزامات الأمنية- العسكرية الأميركية في العالم إلى حد كبير، والتركيز بدلاً من ذلك على "بناء الأمة" في الداخل الأميركي وعلى تطوير الاقتصاد والبنى التحتية والتعليم.
والثاني، يطالب بإبقاء الاستراتيجية الكبرى الراهنة القائمة على الحفاظ على النظام الدولي الراهن بقوة السلاح الأميركي، ويحذَر من أن التخلي عن هذه الاستراتيجية والتقوقع في الداخل سيعنيان نهاية الدولار كعملة احتياط عالمية ومعه البحبوحة الأقتصادية الأميركية.
سنأتي غداً وبعد غد إلى هذا الجدل المهم والخطير الذي يتعلق به مصير العالم.
لكن قبل ذلك، لابد من وقفة فورية أمام المقاربة التي يُطل بها أنصار الخيار الأول الإنسحابي على إقليم الشرق الأوسط، وفي القلب منها منطقة الخليج. وهي مقاربة تعزز في الواقع ماكنا ندعو إليه في هذا الموقع، من أنه مالم تعمد الأسر الخليجية الحاكمة إلى إحداث إصلاحات سياسية شاملة في ممالكها وإماراتها، فإنها ستضع نفسها (وربما أوطانها أيضاً) في خطر ماحق، ولن يقدم الغرب على انقاذها.
ماذا يقول أنصار هذا المعسكر؟
– II –
أحد أبرز ممثلي هذا التيار هو باري بوسن، مدير برنامج دراسات الأمن في مؤسسة ماساشوستس للتكنولوجيا. وهو نشر في العدد الأخير من دورية "فورين أفيرز" دراسة بعنوان :"انسحبوا- الدفاع عن قضية سياسة خارجية أميركية أقل نشاطاً". (Pull back: The case for a less activist foreign policy) )
جاء في الفقرات المتعلقة بمنطقة الخليج:
– على المؤسسة العسكرية (الأميركية) إعادة تقييم  التزاماتها في الخليج "الفارسي"، إذ يجب على الولايات المتحدة أن تساعد الدول في هذه المنطقة على الدفاع عن نفسها ضد هجمات خارجية، لكن ليس في وسعها تحمُّل مسؤولية الدفاع عنها ضد تمردات داخلية.
– واشنطن لاتزال في حاجة إلى إعادة تطمين دول الخليج حيال الدفاع عنها ضد قوة إقليمية مثل إيران قد تهاجمها وتخطف ثروتها النفطية، لكن لم يعد ضرورياً أن يقيم الجنود الأميركيون قبالة شواطىء هذه الدول، حيث أن وجودهم يثير النزعة المعادية لأميركا ويربط الولايات المتحدة بأنظمة أوتوقراطية مشكوك في شرعتيها.
– على سبيل المثال، تعاني البحرين من قلاقل داخلية كبيرة، الأمر الذي يطرح أسئلة حول قابلية استمرار الوجود العسكري الأميركي المتنامي هناك. وقد أثبت العراق أن محاولة تنصيب أنظمة جديدة في البلدان العربية أمر مخطيء من ألفه إلى الياء. وبالتأكيد، الدفاع عن أنظمة قائمة تواجه ثورة داخلية لن يكون أسهل بأي حال.
– III –
 
نص واضح؟
يفترض ذلك. وهو يجب أن يدق أجراس إنذار قوية لدى كل الأنظمة الملكية التي لاتزال تراهن على أن الغرب يمكن أن يحافظ على الصفقة التي عقدها مع الإسلام السياسي الخليجي منذ الحرب العالمية الثانية، على رغم كل إنقلابات الربيع العربي.
قد يقال هنا أن باري بوسن ليس سوى صوت واحد من جمهرة أصوات في أميركا ترفض الفصل بين الصفقة الأمنية وبين التحالف السياسي بين الولايات المتحدة ودول الخليج.
وهذا صحيح.
لكن الصحيح أيضاً أن هذا الصوت المنفرد بات يصبح له أنصار كثر، خاصة وأن منطقة الخليج تمتص 15 في المئة من إجمالي النفقات العسكرية الأميركية المكلفة في العالم. كما أنه يندرج ضمن إطار تطورين إثنين:
الأول، قيام أميركا بقلب نوعية تحالفتها مع حركات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، من خلال تبينها للقوى الإسلامية التي تعانق الديمقراطية وشروط العولمة الليبرالية (النماذج التركية والإندونيسية والماليزية.. ألخ).
والثاني، أن الاستراتيجية الكبرى الأميركية في العالم تمر هي الأخرى في مرحلة مخاض وتطوير وتبديل، بفعل تحوّل السلطة الاقتصادية والتجارية من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهاديء، وهو مخاض لابد أن يترك تأثيرات جلى على منطقة الشرق الأوسط ومركزها الخليجي.
على أي حال، هذه التوجهات قد تتضح أكثر حين نعرض في المقالات التالية بدءاً من الغد لكلِ من الجدل  الأميركي حول هذه الاستراتيجية، وللتغييرات التي بدأت إدارة اوباما بإدخالها بالفعل إليها.
سعد محيو
 

 

السابق
ميقاتي: على الجميع الاطلاع على تفاصيل السلسلة وكيفية تمويلها قبل اطلاق الاتهامات
التالي
المحافظة الايرانية رقم 35