فضل الله: لتكن ذكرى استشهاد الحريري جامعة للبنانيين

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، التي هي الزاد ومن خلالها يتحدد المصير، ومن التقوى الأخذ بوصية لقمان لابنه "يا بني، تعلمت سبعة آلاف من الحكمة، فاحفظ منها أربعا، وسر معي إلى الجنة: أحكم سفينتك، فإن الدنيا بحر عميق غرق فيها عالم كثير، وخفف حملك فإن العقبة كؤود، وأكثر الزاد فإن السفر بعيد، وأخلص العمل فإن الناقد بصير".

أضاف :"بالعمل الجاد نتحمل المسؤولية وبالوعي نواجه التحديات، والبداية من فلسطين، حيث لا يزال العدو الصهيوني يتابع ممارساته القمعية بحق الشعب الفلسطيني، قتلا واعتقالا وتضييقا على السجناء الذين أوصلهم العدو إلى حد الإضراب عن الطعام. وهناك من وصل إلى حافة الموت نتيجة إضرابه، كما الشاب سامر العيساوي وغيره. هذا، إلى جانب استمرار مشروعه الاستيطاني والتهويدي للضفة الغربية والقدس، وأخيرا وليس آخرا، المشروع الذي يبنيه على أوقاف حي المغاربة غرب المسجد الأقصى".

وقال :"إن هذا الواقع يتم على مرأى ومسمع من العالم، ولا يلقى سوى بيانات الإدانة والشجب، من دون أن يكون هناك أية مواقف عملية، ما يستدعي حضورا دائما من الشعوب العربية والإسلامية ودولها، لتنفيذ استراتيجية تواجه مخططات هذا الكيان".

وجدد "التأكيد على القيادات الفلسطينية، ولا سيما قيادتي حماس وفتح، للاسراع بإنهاء ملف المصالحة الفلسطينية، والتعاون من أجل حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها الشعب الفلسطيني، وتوحيد الجهود لمواجهة العدو الصهيوني الذي يعمل دائما للثأر من هذا الشعب الذي هدد مجاهدوه عمق كيانه".

وقال :"في سوريا، لا يزال نزيف الدم مستمرا في ظل دعوات الحوار التي لم تصل بعد إلى مرحلة الجدية، نظرا إلى الشروط والشروط المضادة، ودعوات الحسم العسكري من هذا الفريق أو ذاك، أو التدخلات الدولية والإقليمية المستمرة".

اضاف :"إننا أمام نزيف الدم والدمار الهائل وتزايد أعداد النازحين، ندعو كل مكونات الشعب السوري، وكل الحريصين على هذا البلد، إلى بذل الجهود لإيقاف هذا المسلسل الذي استكانت له الدول الكبرى وأدمنته، لتدمير قوة هذا البلد وتمزيق وحدة شعبه وكيانه. وليكن الصوت واحدا: إن مصلحة هذا البلد فوق كل اعتبار، وفي هذا المجال، لا بد من التنبه إلى حالات اختراق هذا البلد من قبل الاستخبارات الصهيونية، والتي نخشى أن تكون هي السبب في استهداف رئيس الهيئة الإيرانية في لبنان".

وتابع :"نصل إلى العراق، هذا البلد الذي لا يزال يعاني من تداعيات الاحتلال الذي جثم على صدره، والتفجيرات المتنقلة بين مدنه ومحافظاته، فقد دخل في أتون تجاذب داخلي بات يأخذ بعدا طائفيا ومذهبيا. إننا في الوقت الذي ندعو الحكومة العراقية إلى متابعة ما بدأته من تفهم لمطالب المعتصمين، نريد للشعب العراقي أن يكون واعيا، فلا يقع أسير مصالح الدول الكبرى والدول الإقليمية التي لا تريد لهذا البلد الاستقرار ولعب دوره الريادي على مستوى المنطقة والعالم، ونحن هنا نحيي كل مبادرة تسعى إلى إغلاق ملف الفتنة التي نخشى من سعي البعض لإشعالها في الأيام القادمة".

وعن الوضع في البحرين،قال :"يشهد هذا البلد انطلاقة لحوار نأمل أن يكون جادا وموضوعيا وبعيدا من الحسابات الطائفية والمذهبية، ويساهم في حل الأزمة التي عصفت وتعصف به منذ سنتين، ويعيد إلى البحرين دورها الريادي بعيدا من التدخلات ولغة العنف التي لم تؤد ولن تؤدي إلى أي نتيجة سوى المزيد من الضحايا".

وتطرق الى الوضع الداخلي فقال :"ان لبنان، لا يزال يعاني من تداعيات ما يجري في الخارج، لا سيما ما يجري في سوريا، رغم سياسة النأي بالنفس التي أعلنتها الحكومة، ولم يلتزم بها اللبنانيون الذين بقي واقعهم بين من يتدخل في هذا الشأن أو ينتظر تداعياته ليتخذ موقفا على أساسه".

وتابع :"في هذا الوقت، لا يزال القانون الانتخابي المرتقب، الذي يأمل اللبنانيون أن يلبي طموحاتهم، بين أخذ ورد، حيث يسعى كل فريق سياسي للخروج بقانون يلبي طموحاته الانتخابية، ما يجعل إمكان الوصول إلى النهايات السعيدة لهذا القانون أمرا بالغ الصعوبة".

وعن الزواج المدني قال :"يهمنا أن نؤكد ما كنا قد أشرنا إليه سابقا، أننا لا نرى مشكلة في الزواج المدني من ناحية الشكل، لكون الزواج الإسلامي زواجا مدنيا على هذا المستوى، فهو لا يشترط أن يتم لدى عالم دين أو في المسجد، لكن تبقى المشكلة في الزواج المدني عندما يخالف التشريع الإسلامي في زواج المسلمة من غير المسلم، وأيضا في التفريعات التي تترتب على هذا الزواج من الطلاق أو الإرث أو الحضانة أو غير ذلك من المفردات".

اضاف :"لذلك نتحفظ عن الزواج المدني عندما يخالف التشريع الإسلامي، كما نتحفظ عن كل تشريع يخالف الشرع الإسلامي، لأننا نرى أن الإسلام هو الحل للمشكلة في الأحوال الشخصية وغيرها. أما موقفنا من الذين يدعون إلى هذا الزواج، فإننا نقول لهم، لا تنتظروا من المسلمين أو أتباع الديانات الأخرى أن يدعوا إلى ما يخالف إيمانهم ومعتقداتهم، لكننا في الوقت نفسه لن يكون موقفنا ممن يمارسون هذا الزواج أو يدعون إليه، إخراجهم من الدين أو إعلان ارتدادهم، ما نقوله لهم: إنكم تخطئون إذا التزمتم في عقد الزواج المدني بما هو مخالف للشريعة الإسلامية أو الدين".

وتابع: "في مجال آخر، ونحن نستعيد ذكرى القادة الشهداء للمقاومة الإسلامية، نؤكد دور هذه المقاومة في حماية هذا البلد من العدو الصهيوني ورفع كابوس الاحتلال عنه، ونثمن التضحيات الجسام التي بذلت في هذا المجال".

ودعا "اللبنانيين جميعا إلى عدم التنكر لهذا الدور الكبير الذي نعتقد أنه كان وسيبقى حاجة لجميع اللبنانيين إلى أن يستطيع الجيش اللبناني أن يقوم به. وإذا كان البعض يتحدث عن أخطاء هنا أو هناك، فلا ينبغي أن تكون سببا للتصويب على هذا السلاح الشريف في أهدافه، بل مزيدا من الحوار الداخلي الذي يضمن بقاء هذا السلاح في اتجاهه الصحيح".

وختم: "أخيرا، وقد مرت علينا الذكرى الثامنة لاغتيال الرئيس الحريري، فإننا نريد لهذه الذكرى أن تكون ذكرى جامعة لكل اللبنانيين على المواقف التي أطلقها في دعوته إلى حماية لبنان من العدو الصهيوني، وفي الوحدة الإسلامية والوطنية والنهوض الاقتصادي والسياسي، فلا تكون مناسبة لتعقيد العلاقات بين اللبنانيين، في وقت هم أحوج ما يكونون إلى الوحدة والتواصل والتراحم، ولا سيما في الدائرة الإسلامية".
  

السابق
أحمد قبلان: البلد في المرحلة الأخطر وعلى اللبنانيين تحمل مسؤولياتهم
التالي
مذكرة توقيف بحق عبد اللطيف فنيش المتهم في قضية الادوية المزورة