الطبع غلب التطبع

يحكى أن في مطلع إحدى السنوات المدرسية أجرت الجامعة الأميركية في بيروت، مباراة بالركض، فاجتمع المتبارون والمشاهدون في الملعب قبل بدء السباق.
وحدث أن تلميذا كان قدم حديثا من احدى البلدان المجاورة ورأى الطلاب يسيرون باتجاه الملعب فتبعهم.وهناك سأل عن الغاية من وجود الناس في ذلك المكان، فقيل له أن الجامعة تجري مباراة في الركض، فتقدم وقال أنه يريد أن يركض مع الإخوان.
فنظر الحكم الى الشاب فرآه يرتدي دشداشة فضفاضة، ويعتمر كوفية ، وينتعل حذاء بدائيا معلقا بأصابع رجليه، فقال الحكم لنفسه: "سأسمح له بدخول المباراة، لأجعله نكتة الموسم".
وأشار اليه ان يقف مع المتبارين. ثم صفر إيذانا ببدء المباراة، فانطلق المتبارون، فيما ذهل الشاب فترة، ثم انتبه، فشمر أذيال الدشداشة وعقدها عند خصره، وخلع حذاءه وحمله تحت ابطه، ثم تلثم وانطلق وراء المتبارين.
فانطلقت عندئذ عاصفة من الضحك والاستهزاء، غير ان الشاب ما لبث ان زوبع واعصوصف وطار مثل الريح، وأخذ يجتاز المتبارين، الواحد تلو الآخر، فخلفهم ورائه أجمعين وانطلق خارج الحلبة، لأنه لا يعرف أين يقف و توارى!…
وبعدها انحسرت عاصفة التصفيق والهتاف بحياة الشاب، أراد الحكم ان يعلن فوزه في المباراة، ثم فطن اليه انه لم يأخذ اسمه، لذلك وقف وقال: "أعلن فوز السيد "حفيان" (لأنه ركض حافيا في المباراة)
رئيس دائرة الرياضة في الجامعة احضر "حفيان" وقال له: " عندك موهبة فذة، لكنها بدائية يجب تنميتها حسب الأصول".
هكذا قبضوا على أخينا المسكين "حفيان" و سلموه الى مدرب ماهر. عدة شهور، حتى تم تدريب الشاب وتحضيره حسب أحدث نظريات الرياضة البدنية.
وأعلنت الإدارة عن مباراة جديدة يشترك فيها الأخ "حفيان" بعد أن ذاع صيته في كل مكان. واكتظ الملعب بالتلاميذ والإخوان، وعندما أقبل البطل "حفيان" بلباس الميدان، علا هتاف التأييد والاستحسان.
لكن الأخ "حفيان" لم ينتبه الى ما كان يجري حوله، لعله في تلك الدقيقة، كان يسترجع في ذاكرته كيف كان يعدو في الصحراء -حرا طليقا حافيا- وراء جمل شارد، فيدركه ويقفز على ظهره ويعود به الى مضاربه.
ثم ما لبث أن عاد الى واقعه الحزين – الى تعليمات مدربه الامين- واحد اثنين… ارفع قدمك… اطو ركبتك… ابسط كفيك…
وبدأت المباراة، وانطلق المتبارون وانطلق معهم الأخ :حفيان" – فحدث ما لم يكن في الحسبان- تعركجت يمناه بيسراه وتشابكت قدماه، فتهاوى على الأرض وفكش رجاه…وصح فيه قول المثل: " الطبع غلب التطبع"
  

السابق
أسد صغير يضحك
التالي
العثور على نديم شقير جثة في الشياح