عاشقان.. في اللحظة الحرجة

هو أحمد، مسلم سنّي من الطائفة التي صارت تحسب على المعارضة. وهي لينا، مسلمة علوية من الطائفة التي يسمّيها البعض اليوم بالنظام.
هو وهي عاشقان في اللحظة الحرجة، حيث لم تعد تفصل بينهما فقط عادات ومعتقدات تفرض على أبناء الطائفتين البقاء كلّ في مكانه، حين يتعلّق الأمر بالزواج. فقد جاء الصراع المسلح ما بين النظام والمعارضة اليوم، ليخلّف بين الطائفتين المزيد من العوائق، وقد ترك ركاماً من الجثث والدمار.
وبينما يدرك أحمد ولينا أن الصراع اليوم في سوريا ليس طائفياً، يخرج من محيط الاثنين من يؤكد أنه كذلك، الأمر الذي يجعل من حب أحمد ولينا ضحية إضافية تضاف إلى قائمة خسائر "الأزمة السوريّة".
تحت وقع الرصاص، اتفق أحمد ولينا على الزواج. كان الاثنان يعملان في مؤسسة واحدة، ولا يدريان كيف جاءت الأزمة لترفع بينهما منسوب العاطفة، حتى بلغ درجة الحب والاتفاق على الزواج. يقول أحمد: "وقتها اتفقنا أنا ولينا أن لا شيء يدحض ما يقولونه عن حرب طائفية مثل زواجنا. ولوهلة استسلمنا لهذا الإحساس اللذيذ، وكنا سنحمل حبنا إلى العلن، لكن استشهاد أخو لينا الضابط في الجيش أجل المشروع ولم يلغيه، وجاء مقتل صديقي على يد الأمن السوري ثانياً، ليؤجل الأمر أيضاً دون أن يلغيه".
بعد نحو شهرين، كان أحمد يلحّ على لينا بأن تتحين الفرصة لتفاتح أهلها برغبته التقدم لخطبتها. وفي كل مرة، كانت لينا تعده أنها ستفعلها اليوم، ولكنها تعود لتكتب له الرسالة ذاتها على هاتفه الجوال: "لسه كل ما برجع من شغلي ع البيت اسمع قصة لأحد أقاربنا مخطوف أو مذبوح أو مستشهد… بوعدك بحكي أهلي بكرا".
يقول أحمد إنه لم يتح له دائما أن يرد على رسائل لينا أيضاً، ففي كثير من الأحيان تأتي هذه الرسالة وسواها، أو يسبقها أو يعقبها انشغاله هو الآخر بأخبار أحد من معارفه، مخطوف أو معتقل أو شهيد أو جريح… لكنه كان في كل مرة يعود بعدها ليسأل لينا إن حانت الفرصة لتفاتح أهلها بقصة حبهما.
لينا وأحمد عاشقان في الوقت الضائع، هم يثقان أن الحرب في بلادهما ليست حربا طائفية، لكنهما يدركان أن في الحرب اليوم، ما يمنع زواجهما بقوة الطائفة، ولأسباب غير معتقداتهم الدينية.
لا تقف الطائفة وحدها بين العاشقين. ثمة مسافات بينهما يزيدها أيضاً اختلاف الرأي السياسي بعداً. الاختلاف لم يفسد للحب بين لينا وأحمد قضية، ولكنه كان يثقل الحوار بين العاشقين. تقول لينا: "من الطبيعي أن تسيطر الأحداث اليومية على حوارات السوريين باعتبارها تشغل يومياتهم وليسوا بعيدين عن التأثر بتداعياتها، لكن اختلاف الرأي بيني وبين أحمد، كان في قناعتنا استحقاق حبنا الكبير، ولاسيما أننا كنا نشهد كيف كل يوم يفسد اختلاف الرأي السياسي علاقة بين صديقين أو جارين، وفي كل مرة كان يقول لي أحمد إنه زمن استحقاق الحب أمام سقوط وهمه".
مع اشتداد حدة العنف، انتقلت لينا إلى ضيعتها حيث يعتقد أبوها أن المكان هناك أكثر أماناً، فيما كان على أحمد أن يغادر بيته هو الآخر الذي دخل منطقة النار لينتقل وعائلته إلى منطقة أخرى، إلى جانب نازحين آخرين… لتقتصر العلاقة بين الاثنين على الهاتف الجوال والانترنت… دون أن يمتلكا قرار التواصل متى أرادا. فقطع الاتصالات، والكهرباء كان له الكلمة الفصل في وصال العاشقين.
اليوم يقول أحمد ولينا إن قوة حبهما ربما تكمن في تجاوز تلك المرحلة، من دون أن يخف وهج عاطفتهما رغم البعد، ورغم أن كلاهما صارا محاصرين أكثر بمعاناة محيطهما، وهما يدركان أن الحرب ما أن تضع أوزارها حتى يعودان إلى ما كانا عليه.

السابق
رفيق الحريري..
التالي
منذ ثماني سنوات