رفيق الحريري..


لم تغب عنا كي ننادي عليك. ولم تفلّ الريح حديد الذاكرة كي تجعل ذكراك صنو الصدأ. كما لم تبتعد كثيراً كي يرتفع الصوت حتى تسمعه وتعود لتلتفت إلينا من جديد..
فيك سرّ الحضور كلما أمعن الزمن في الغياب. والبقاء كلما انتشى الفناء. ثم فيك سرّ الغياب كلما أمعن الكلس في الحضور والتمدّد فوق الأخضر الريّان. وكلما غزت سوسة النخر وطناً أردته حياً يقارع الشمس، وأرادوه مُجندلاً يؤاخي التراب.
في كل مرة تحضر الذكرى، يحضر الجلاد قزماً أمام العملاق الذي فيك. وتحضر معه نواميس العدم وشرعة الأسيد ومثلبة كره البشر.. وفي كل مرة تقدح الشمس نورها فوق الناس، يرنّ صوتك مثل صلاة الصبح وأجراس الصلاة مذكّراً الطغاة بالوعد الذي حمله الديّان لكل ظالم جبان وفتّاك مُدان. ومعيداً الاعتبار لمعنى الرياحين ورائحة البخور وسحر بيان الشرق وقداسة مريم ونقاء الروح في ابنها الجليل.
في كل مرة تحضر الذكرى، يأخذ الورد على خاطره، ويعاتب الرخام: تتركني في البرد كل عام. فيما عطري من دفء روحك؟ وبللي من دمع عينيك.. وفيما حفيف سعف النخل مثل طنين النحل ينادي حتى يكلّ الليل، على الوحيد في التراب والباقي فوق السحاب: في موتك حياة. وفي حياتهم موت. وفي صمتك صخب الجبال. وفي صخبهم نعيق في أودية الخرس وموئل الشياطين. وفي دمك انتصار، وفي انتصارهم علّة المسلول والمكسور، ولعنة معلّقة في رقابهم الى يوم الدين.
تحضر الذكرى ويحضر وعد الدعاء وسر العدل ورحمة الله في خلقه: عام تلو عام، كنت ترتقي وكانوا ينزوون. وكنت ترتفع وكانوا ينزلون. وكنت تمعن في الحضور وهم في الغياب يمعنون.. ثم جاء وقت الحصاد، وساعة الحساب تدقّ عند الباب، وخلفه أحباب وأهل وأصحاب، من بيروت الى درعا، ومن الفيحاء الى الشهباء ومن جبل الشوف الى جبل العرب ومن صنّين الى حرمون.
.. صباح الخير سيدي الرئيس، صباح الفل والياسمين، والعدل والحق والانتصار.. والجبل الموشّى بعطر روحك الباقية معنا الى الابد.

السابق
متى يتحقق حلم الحريري؟
التالي
عاشقان.. في اللحظة الحرجة