محاولات تفتيت المعارضة

لا نظن أن نهج الملاحقات السياسية واقحام القضاء في الصراع السياسي والانفراد بالقرار ستستمر للأبد، لكن لا توجد ضمانة لذلك سوى توافق جميع القوى السياسية والمجاميع الشبابية والكتل النيابية على قضية وطنية واحدة وعلى أهداف محددة تغير من موازين القوى وتدفع بالبلاد إلى طريق التطور الديموقراطي.
فكل سلطة لها معارضة واسعة تتمنى ضعف وتشرذم واختلاف هذه المعارضة، وتستخدم أساليب متعددة لهذا الغرض، منها وسائل الإعلام التي تقلب الحقائق وتصور للمواطن العادي أن للمعارضة أغراضا مشبوهة وهذه المعارضة هي مجموعة من المندسين الذين يهدفون إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلد أو هي – المعارضة – عبارة عن مكون اجتماعي واحد.
وتضع هذه السلطات المواطنين أمام خيارين اما مع وإما ضد، وهذا ما تفعله قوى الإسلام السياسي أحياناً عندما تخير الإنسان ما بين الإسلام والكفر أو ما بين الجنة والنار دون إتاحة الفرصة لهذا الإنسان المغلوب على أمره للتفكير والمناقشة واستخدام المنطق العقلي في القضية المعروضة أمامه.
وبالطبع هناك قوى سياسية ومكونات اجتماعية تقف ضد المعارضة كأشخاص ومكونات اجتماعية وليس كمبادئ وأهداف، وهو موقف تعصبي بغيض ومتعال يسهم من دون شك في شرذمة المعارضة واضعافها ويصب في صالح السلطة ونهجها المرفوض.
بل ان السلطة في الكويت استخدمت أطرافاً من المعارضة لإيقاف زخم الحراك الشعبي والمطلب الوطني الديموقراطي، هذه الأطراف اجتمعت سراً مع أطراف حكومية وتعهدت لها بحصر الحراك في ساحة الإرادة، وهو ما رفضته القوى الشبابية وبعض القوى السياسية التي شبهت هذه الأطراف المشبوهة من المعارضة بـ«متعهد الحفلات» في ساحة الإرادة.
كانت وما تزال إحدى نقاط الضعف عند المعارضة هو قلة الوعي السياسي وحصر الصراع في جزئيات مثل مرسوم الصوت الواحد والتباس الشعار السياسي وبالتالي ارتباك الأهداف السياسية وهذا بالتأكيد يفرق ولا يجمع، ناهيك عن تضارب المصالح بين بعض القوى السياسية والحسابات الانتخابية عند البعض الآخر ومحاولات الاستئثار بقيادة الحراك الشعبي عند طرف ثالث، هذا إذا استثنينا الاستقطابات الطائفية والقبلية.
ومن يملك حداً أدنى من الوعي السياسي يدرك أن الجبهات والائتلافات يجب أن تقوم على أسس وطنية وهذا يعني أنها تحالفات غير أرثذوكسية أو أبدية، كما لا يعني هذا أن القوى المؤتلفة يجب أن تكون متفقة على كل الأهداف التي قامت من أجلها هذه القوى، ومن المعروف أن هناك حلفاء قريبين وهناك حلفاء بعيدين قد لا تتفق معهم وتعرف نواياهم وتكتيكاتهم وقد لا تثق بهم ثقة عمياء وقد يخفون عداء لك، ولكنك تضطر في مرحلة ما من التوافق معهم لصالح القضية الوطنية المشتركة.
فمن مصلحة جميع القوى السياسية على اختلافها الفكري والمجاميع الشبابية والكتل النيابية ومؤسسات المجتمع المدني الانضواء تحت مظلة عمل واحدة من أجل التصدي للقضية الوطنية بأساليب راقية وسلمية مع الانتباه لمحاولات تفتيت وحدتها، أما التمسك بالخلافات الجانبية على حساب مصلحة الوطن فهو سذاجة سياسية وقلة خبرة بالعمل السياسي المنظم والسليم.

السابق
بينيلوبي في تجربة جديدة
التالي
تروّوا قبل نشر صوركم