مـن يـسعـى لتـأجيـل الانتخـابـات؟

تدل المؤشرات المحيطة بالنقاش الجاري حول قانون الانتخابات ان ثمة رغبة لدى بعض الاطراف بوضع عراقيل سياسية وتقنية، وربما قانونية للوصول الى عدم اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري.
تأتي هذه الإشارات برغم المساعي الحثيثة الجارية لإجراء الإستحقاق في وقته، عبر اقرار قانون جديد «على انقاض» قانون الستين الذي اعلنت جميع القوى السياسية وفاته. أما رئيس الجمهورية ميشال سليمان فيحتفظ برفاته لإحياء «عظامه الرميم»، في حال تعذر التوافق على قانون جديد، أو في حال فرضت الظروف والضغوط الدولية إجراء الانتخابات بما تيسّر، ومن هنا كان اصراره على اقرار انشاء «هيئة الاشراف على الانتخابات»، ولو على اساس «قانون الستين».
ولكن ما يظهر في المواقف العلنية المبدئية شيء وما يستبطنه بعض اهل السياسة شيء آخر، إذ يعلم سليمان ان قوى الاكثرية الحالية وبعض اطراف المعارضة ترفض رفضاً قاطعاً إجراء الانتخابات على اساس «قانون الستين»، ولتأكيد المؤكد، سأل رئيس الجمهورية خلال الجلسة ما قبل الاخيرة للحكومة، عما إذا كان وزراء الاكثرية يرفضون اجراء الانتخابات على اساس «قانون الستين» ولو ادى ذلك الى تأجيل الانتخابات، فجاءه الجواب، من المعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل، «لن تجري الانتخابات على اساس قانون الستين، ولو تأجلت الانتخابات فترة من الوقت». ما قاله خليل خارج الجلسة بالحرف الواحد: «لن تكون هناك هيئة مستقلة للاشراف على الانتخابات ودعهم يخيطون بغير هذه المسلة أولئك الذين يسعون الى تعويم «الستين».
وتتوقف مصادر وزارية في هذا السياق عند ما نسب الى الرئيس بري في الاسبوع الماضي من ان «قانون الستين» قد مات ودفن ولن تقوم له قيامة، لتؤكد على موقف رئيس المجلس الرافض لأي تأجيل للانتخابات، فيما تستند القوى الساعية الى التأجيل الى جملة مؤشرات اخرى مفادها ان تأجيل الانتخابات في هذه اللحظة الاقليمية الحرجة قد يصبح مطلبا عربيا ودوليا، برغم كل مواقف السفراء الغربيين عن ضرورة اجراء الانتخابات في مواعيدها، إذ ان استقرار لبنان يبقى اهم من استحقاق دستوري يمكن تأجيله بضعة اشهر لحين جلاء الصورة الاقليمية لا سيما صورة الوضع في سوريا.
وتضيف الاوساط الوزارية ان الساعين للتأجيل يستندون ايضاً الى ان كلام السفراء الاجانب عن لازمة إجراء الانتخابات في مواعيدها، تتبعها لازمة اخرى تبدو في السياسة اشد وقعاً وايحاء حول ضرورة حفظ استقرار لبنان السياسي والامني، ما يعني برأي الاوساط الوزارية ان «ستاتيكو» الاستقرار في الوضع اللبناني قد يكون هدفاً سياسياً رئيسياً يتقدم على هدف إجراء الانتخابات.
وتشرح الاوساط ان الكتلة الوزارية الوسطــية تبقى في هذه الحالة ممسكة باللعبة السياسية، الى حين التوافق على قانــون انتخابي قد يأتي باكثرية مختلفة عن الاكثرية الحــالية الحاكمة «المتعبة» للطرفين في بعض المفاصل، كما قد يأتــي بكتلة برلمانية وسطية تعيد رسم الخريطة السياسية الداخلية وتكون هي الجهة السياسية الحاكمة نيابياً وحكومياً.
وتعتبر جهات اخرى ان «الستاتيكو» قد يريح الاكثرية الحالية لأسباب عدة منها إبقاء الخصوم من «قوى 14 اذار» خارج الحكم، وابقاء المعادلة القائمة حاليا لحماية المقاومة، كما قد يريح «تيار المستقبل» المتفرج والمستفيد من حالة الفوضى الحاصلة ليسجل على خصومه نقطة تلو اخرى بحيث يجمع النقاط في الانتخابات متى حصلت. بالإضافة إلى ذلك، فإن تأجيل الانتخابات قد يساعده في جمع صفوف الحلفاء بسبب الانقسام حول القانون الانتخابي، فيما يرتاح الرئيس نجيب ميقاتي ايضاً من مخاطر التغييرات التي يمكن ان تحصل سواء بنتائج الانتخابات او التحالفات وتجعله رقماً غير مؤثر سياسياً كما هو الان.
في الظاهر، يبدو هذا السيناريو مقنعاً للبعض، لكن اوساط رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي تؤكد انه سيناريو مساعد للظروف التي تحكم البلد والتي توجب على الجميع الخروج منها نظرا لنتائجها المدمرة التي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية، وانه اذا استمرت هذه الظروف، بما يرافقها من انقسامات خطيرة فإن وضع البلد سيذهب الى المجهول. في حين أن التوافق بين هذه القوى على قانون انتخابي مقبول من الجميع، قد يخفف من حدة الاحتقان ويعيد نقل الخلافات الى المؤسسات.

السابق
مناورة كيري ودور أوباما
التالي
قبل أن يصبح المسيحيّون إشاعة!