ع دعساتك.. يا عقاب صقر! 

نجح عقاب صقر بلا شكّ في التحول إلى حالة، وأكثر. يبدو أنه بدأ يتحول إلى قدوة. طبعاً ليست الجماهير من تقتدي بعقاب صقر، فهذه في الغالب لا ترى عقاب إلا وترى سعد الحريري. لكن هناك من يرى في الدرب التي سلكها صقر، طريقاً سهلة للوصول إلى حيث وصل: المجلس النيابي. وهذا يبدو حلم كثير من زملائه السابقين في الصحافة، الذين بدأوا يعدّون العدّة للانتخابات النيابية المقبلة، وبدأوا ينتهجون نهج عقاب، في تقديم أنفسهم منصة لإطلاق المواقف الموالية لفريق يتبناهم، أو يعتقدون أنه قد يتبناهم. فمنهم من قدّم نفسه مرشحاً، ومنهم من نشر صوره على الطرقات، ومنهم من عرض نفسه على الشاشات، ومنهم من ينتظر…

«بشو عقاب أحسن مني؟»، لا بد أن نوفل ضو، الإعلامي الكسرواني، والمدافع الشرس عن قوى الرابع عشر من آذار، وعضو أمانتها العامة، تساءل بينه وبين نفسه. ربما كان يشاهد التلفزيون، مؤتمراً صحافياً لعقاب صقر، وسمعه وهو يتحدث بثقة توحي بأنه سعد الحريري نفسه. ربما كان يقرأ الجدل الحاصل حول التسجيلات المسربة عن عقاب صقر التي توحي بدور استثنائي للرجل في الثورة السورية. لا بد أن نوفل فكّر في عقاب حينما قرر الترشح للنيابة في كسروان. فكّر أن الأمر ليس مستحيلاً، ولو أنه يعرف الواقع في كسروان جيداً، ويعرف أن الحظوظ ليست عالية. لكن مع ذلك، تجربة صقر تخفف من وطأة المستحيل، تجربة الشيعي الشاب المفوّه تعدّ مثالاً أعلى للوصولية. ولا نغالي إذا قلنا إن عقاب يجب أن يصدر كتاباً بعنوان «كيف تصل إلى المجلس النيابي من دون معلّم». وهو كتاب، لو وجد، لقرأه نوفل ضو في العتمة، بعيداً من أي «ضو»، حتى لا يُظهر لنا تماهيه مع حالة مثاله الأعلى الخفي. لكن، بما أن الكتاب لم ينزل بعد إلى الأسواق، فإن نوفل قرر أن يخوض المعركة الانتخابية بمخيلة ضعيفة جداً، جعلته يتوجه إلى ناخبيه بإعلانات ضخمة تقول: «بعد ليل الحروب، بعد ليل التبعية، بعد ليل الجرايم، بعد ليل الخراب، بعد فوضى السلاح، بعد ظلمة الحقد… رح يطلع الضو». هكذا يستخدم المرشح «الموهوب» اسم شهرته، متلاعباً على الكلام والمعنى، ليطلق لنا حملته الانتخابية، التي تذكر بأسلوب بائد ابتكره زياد الرحباني وشاع بين المتأثرين به حد الضجر. كما يذكر طبعاً بمعظم المرشحين الذين يحاولون العثور على رابط بين اسمهم، أو شهرتهم، وبين حملاتهم الانتخابية، وأكثرها طرافة تلك التي قام بها في التسعينيات المرشح حسين يتيم: «أما اليتيم فلا تقهر»!

ليس ضو وحده من يحلم بأن يصير عقاباً. ثمة في المقلب الآخر من يحاول أيضاً الوصول. يستجمع غسان جواد كل قواه ومواهبه ومهاراته، وينقلب بين ليلة و«ضواحيها» (على طريقة الرحباني وضو)، من مقلب إلى آخر، ثم يحمل صوته، وتمكّنه من الكلام، وعدّته، وكل ما قد يحتاجه في الرحلة، ويبدأ مشوار الألف ميل للوصول إلى النيابة. لا يخطو خطوة بخطوة. يحاول أن يطير. يعتقد أنه يستطيع الطيران. فعقاب طار قبله، ووصل. لماذا إذاً لا يستطيع أن يحقق هذا الحلم؟ هو يعرف تماماً أن قوى 14 آذار لا تستطيع احتمال عقابين أو صقرين. يعرف أن تجربة صقر مثل عود الكبريت، لا تشتعل إلا مرة واحدة في الفريق الواحد. مثل اللوتو هي، لا تأتي إلا مرة في العمر، مع أنك تحاول كل اثنين وخميس. غسان جواد كان يحاول كل يوم، ويعرف ضمناً أن الورقة الرابحة ابتسمت لعقاب. حتى لو لعب الصولد في مقلب 14 آذار، فلن يربح. لهذا قرر تغيير الطاولة، طاولة اللعب. أو قل، ولا حرج، تغيير الكازينو. وبدأ يسحب أوراق اللوتو لدى بائع يانصيب آخر، يبيعه الحظ ويشتري منه المواقف. وغسان، الذي لم يبدأ حملة انتخابية رسمية، مثلما فعل نوفل باكراً، لمّح مع الزميل مارسيل غانم إلى أنه قد يكون مرشحاً للانتخابات، وتباهى في الحلقة، بغطاء من التهديدات بالقتل، بتنقله مع مرافقين شخصيين (بادي غارد)، وعقّب (من عقاب؟) بأنهم من الطائفة السنية!

نوفل ضو وغسان جواد عبّرا صراحة عن رغبتهما الدفينة في الوصول إلى حيث وصل عقاب، وربما من حيث انطلق أيضاً. فكلاهما يأتي من خلفية صحافية، من وضع اقتصادي عادي، وربما فقير (كما هي حال غسان)، لكن كلاهما يحلم بالمجلس النيابي، ولا يكتم ذلك أمام الناس. غيرهما الكثير من الزملاء الصحافيين والإعلاميين يحلمون بالنيابة، بعضهم على طريقة عقاب، وبعضهم الآخر على طريقته الخاصة، وإلا فلماذا تحوّلوا من نقّاد إلى منتقَدين؟ لماذا تحوّلوا من مُحاوِرين (بكسر الواو) إلى محاوَرين (بفتح الواو)؟ لماذا يخرج نديم قطيش في تشييع وسام الحسن ويحرّض «الشباب والصبايا» على اقتحام السرايا؟ لماذا تتخلى مي شدياق عن نضالها في الإعلام بما يتوافق مع قناعاتها، وتقرر أن تخرج من أي التزام قد يحرجها بالموضوعية لتظهر كضيفة على الشاشات تغطي بصراخها على الحوارات وتشيطن كل من يخالفها الرأي؟ لماذا يبدو علي حمادة كأنه الناطق الإعلامي باسم أخيه؟
كلهم، بطريقة أو بأخرى، يطمحون إلى ما طمح ووصل إليه عقاب صقر قبلهم. لكن كلهم، قد لا يدرون، أن هدف صقر لم يكن الوصول إلى النيابة، بل إلى… البلاط. وربما كانوا يدرون!

السابق
الميليشيا الإيرانية في سوريا!
التالي
ضاهر يسمّي نواب عكّار