حزب الله يلعبها صولد

إمّا أنّ الاحداث الدائرة في لبنان والمنطقة أكبر من قدرة اللبنانيين على التعامل معها ومواجهتها، او أن نزعة المغامرة لديهم تغالب حساباتهم العقلانية، وبالتالي تقودهم الى عين العاصفة في كل استحقاق.

ومن المفارقات اللبنانية، انه فيما تنتفض دوَل الجوار العربي وتدفع دماً ودماراً لنَيل حريتها وحقها في الديموقراطية وتداول السلطة، يغامر بعض اللبنانيين في ما يملكون من حد أدنى من الديمقراطية، ويعملون على تطيير الانتخابات النيابية، بكلّ برودة اعصاب.

يكشف مسؤول كبير امام قريبين منه انّ فريق الثامن من آذار لا يريد إجراء الانتخابات، وإنه يطرح معادلة عنوانها "قانون الانتخابات مقابل إجراء الانتخابات".

يريد قانوناً على قياسه، يطمئنه ويضمن له الفوز في الانتخابات المقبلة، ويشرّع إمساكه بالسلطة ويمهّد له الطريق لإيصال رئيس للجمهورية مؤيّد لخياراته الإقليمية والمحلية.

بمعنى آخر، إذا لم يحصل فريق الثامن من آذار على قانون يرسّخ بقاءه في السلطة، فإنه لن يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، أيّاً تكن العواقب.

يعمل هذا الفريق للإمساك بالسلطة بهدف تحويلها ورقة للمساومة عليها عشيّة المفاوضات الاميركية-الايرانية المتوقعة، وفي أيّ مفاوضات تلي حسم النزاع الدموي في سوريا. فإذا نجا النظام وانتصر، ينتصر معه فريق الثامن من آذار، ويفرض أمراً واقعاً جديداً على المستوى السياسي اللبناني، وإذا سقط واندحر يُعاد النظر في الحسابات وتُطرح التسويات، حسب اعتقاده.

في المقابل، يعيش فريق الرابع عشر من آذار عشيّة الذكرى الثامنة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وانطلاقته، أسوأ أيامه: انقسام على مشروع قانون الانتخاب، غياب استراتيجية المواجهة السياسية والجماهيرية، اهتزاز داخل كيانه.

وكأنهم لا يجتمعون الّا على المصائب، ولا ينتفضون الّا اذا تعرض احدهم للاغتيال (كالطير يرقص مذبوحاً من الألم)، وقد بلغ بهم الامر انّ اغتيالاً في حجم اللواء وسام الحسن لم يحرّك فيهم دينامية تدفع الى إسقاط الحكومة وخلط الاوراق.

أمام هذا الاهتراء، يزداد الخلل بوضوح في توازن القوى وطنياً وسياسياً وطائفياً واقليمياً، بين فريقي 8 و14 آذار، ما يضطرّ الفريق الوسطي الى التدخل مباشرة لإنقاذ المركب اللبناني من الجنوح، بطَرح معادلة مفادها: "اذا طارت الانتخابات ستطير الحكومة معها"، والهدف إعادة التوازن.

من هنا بدأ فريق 8 آذار بالضغط على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. يريدونه في صفوفهم مناصراً للنظام السوري ومؤيداً تأجيل الانتخابات. وهو لا يريد ان يكون "شيطاناً أخرس"، ولن يُساير ولا يساوم على ما يؤمن انه لمصلحة لبنان، وهو مقتنع بأنّ إعادة التوازن الى البلد تُبعد التطرف والفتنة وتحمي الامن والاستقرار والاقتصاد.

هناك من يخشى انّ "حزب الله" يلعب "صولد"، على كل الجبهات في الداخل والخارج. يشارك في الحرب الدائرة في سوريا الى جانب النظام، ويواجه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جرائم الحريري وحمادة والمر وحاوي، ويستعد لمواجهة الاتحاد الاوروبي في مسألة "تفجير بورغاس" في بلغاريا… ويريد الإمساك بالورقة اللبنانية للمساومة على رأسه عندما تحين الساعة.

واذا صحّت معلومات "واشنطن بوست"، نقلاً عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أنّ طهران أرسلت نحو خمسين ألف مسلّح إلى سوريا، فهذا يفسّر ضخامة الربط مع النزاع السوري وعجز المعنيين اللبنانيين عن النأي بالنفس، وإذا لم تكن صحيحة فإنّ المسألة أخطر لأنّ الغرب يكون في إطار التمهيد لمفاجأة ما.

السابق
حوري: طلب ميقاتي اعطاء الداتا خطوة طبيعية وتكتل عون يحرك الغرائز
التالي
توتّر العمل لا يسبب السرطان