حروب استعمارية مع صفر ضحايا!

اكتسبت الدول العظمى خبرات هائلة متراكمة في الهيمنة على الشعوب ونهب ثرواتها طوال نحو ثلاثة قرون ونيّف من الاستعمار المباشر أو المقنع، والحروب والثورات وتسخير الأنظمة الدكتاتورية في القمع والتسلّط لخدمة المصالح الأجنبية. وكان الثمن باهظاً جداً بسقوط عشرات ملايين الضحايا من البشر، وبخسائر فلكية بألوف مليارات الدولارات على طرفي الصراع، أي على مقلب الدول المستعمرة، وعلى مقلب البلدان المستهدفة بالاستعمار. وفي غضون ذلك، حدثت تطورات جذرية في العالم على مختلف الصعد القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والاعلامية. وكان آخرها انفجار ثورة المعلوماتية العالمية في مطلع تسعينات القرن الماضي التي أزاحت وهدمت أسوار التواصل بين الشعوب، وبين مكونات كل مجتمع على حدة، وقضت على إمكانية صيانة الأسرار العامة والخاصة بنسبة كبيرة في العالم، ووفّرت مخزونا هائلا من المعلومات لأجهزة الاستخبارات في الدول العظمى والمقتدرة.

التطور الأعظم والاستثنائي حدث في السنوات القليلة الماضية فقط، حيث أتاحت الخبرات المتراكمة للدولة الأعظم أميركا، والدروس المستفادة من الحروب وكان آخرها حرب افغانستان وحرب العراق، الى استنباط استراتيجية تبيح لأميركا تدمير أعدائها بحروب مستترة تتكبّد فيها صفر ضحايا، وتحقق فيها كامل أهدافها ومصالحها! وتنطوي هذه الاستراتيجية على عدة مراحل، تبدأ بحملة اعلامية عالمية مكثفة ومستمرة لما يلزم من الوقت من أجل شيطنة الهدف المعادي المستهدف بالتدمير، واضعافه بالعقوبات الاقتصادية المعلنة أو المستترة، واختراق أجهزته الداخلية السياسية والاقتصادية والأمنية وغير ذلك. وبينما يكون النظام المستهدف غافلاً، أو تم تخديره بطمأنينة مصطنعة، يتم توجيه الخلايا الارهابية المتطرفة عبر الحدود وتكون خلايا نائمة الى أن يحين وقت ايقاظها. وتتدخل الدبلوماسية الأجنبية لإذكاء الصراعات بين المكونات السياسية للمجتمع المستهدف، ويتم تزويدها بوعود ايصالها الى السلطة والثروة وإذكاء الصراع المستميت في ما بينها، ويقود ذلك الى حروب تدمير ذاتي تحت تسميات وشعارات مختلفة بين مجتمع وآخر.

أتاحت ثورات الربيع العربي فرصة تاريخية لا تعوض وفتحت كنزاً لا يقدر بثمن لوضع هذه الاستراتيجية الجديدة موضع التنفيذ العملي. ونجحت جزئياً في تونس بتفجير الصراع بين الاسلام السياسي وانصار النظام المدني، وكذلك في مصر. وعممت الفوضى القبلية والتنظيمات المتطرفة في ليبيا واليمن. وتأجج الصراع المذهبي في العراق، الا ان الانتصار المذهل والمرعب لهذه الاستراتيجية حصد نتائجه في الأزمة السورية بأعلى درجة من الدقة! والى كل الغافلين والعابثين في لبنان أن يستيقظوا من غفلتهم، ويرصدوا ما يجري تحت جسورهم، لأن دورهم يقترب! انتهى.

السابق
شربل دعا الى انتخابات بلدية في قرى عكارية في 3 اذار
التالي
رجل بكل معنى الكلمة