أزمة مواقف السيارات في الضاحية الجنوبية مستعصية

يقف حمزة أمام محله ، يتربص كأسد ينتظر فريسته للإنقضاض عليها، لا يسمح لإي كان أن يركن سيارته هناك إلاّ إذا كان أحد زبائنه، الموقف بنظره هو ملك خاص، لا ملكا عاما، وأزمة المواقف في الضاحية لا تعنيه "شو بدكم تقطعوبرزقي". السيارات المعروضة للبيع أو المعطلة على جوانب الأرصفة وفي الأزقة الداخلية للضاحية الجنوبية لبيروت تزداد يوما بعد يوم، ما دفعه كما العديد من المواطنين إلى وضع ما تيسّر من عوائق أو قطع حديدية مكتوب عليها "ممنوع الوقوف أو موقف خاص" من دون أن تذيّل تلك العبارات بترخيص أو إذن رسمي.

ظاهرة في كل مكان
تمتد على طول طريق أوتستراد السيد هادي نصرالله، معارض متجولة من السيارات مركونة إلى جانب بعضها على طول الرصيف الممتد، كتب عليها"برسم البيع" ورقم الهاتف للتواصل بين البائع والمشتري موجود، إضافة إلى مواصفات السيارة، الموديل، المميزات، إلخ.
لا يقتصر موضوع ركن السيارات في الاملاك العامة لمدة طويلة، أو تركها إذا كانت معطلة على أوتستراد السيد هادي نصرالله، فطريق المطار أيضا تشهد نفس الظاهرة، وطريق صيدا القديمة، والأحياء الداخلية في الغبيري وتحديدا شارع عبدالله الحاج، والأحياء الداخلية في الشياح والحارة.

البحث عن فرصة للوقوف
مشاجرات عديدة بين المواطنين وأصحاب المحلات تحدث بسبب عدم وجود أماكن شاغرة لتوقف السيارات، ما يضطر أصحاب السيارات للتجول مرات عديدة في محاولة منهم للبحث عن أي فرصة ولو كانت بعيدة عن المقصود، فلا عدادات للوقوف و لا مواقف خاصة، والحل " هو دبرّ حالك".
تتغير أعداد وأنواع السيارات المعروضة للبيع وغالباً ما تكون جيدة المظهر، تعب أصحابها على تزيينها ليبيعوها بأفضل سعر ممكن، فتلفت أنظار المارين، فيأخذون رقم الهاتف من دون أي وساطة بين المشتري والبائع ,وتتم الصفقة بما يرضي الطرفين.

إستثمار مربح
وفيما تزيد هذه الظاهرة في بعض الأحياء وتعتبر عادية في أحياء أخرى، إستثمر بعض المواطنين الأرصفة أمام محلاتهم فأصبحت معرضا للسيارات بشكل واضح وعلني، فلا يكتب أحدهم رقم هاتف بل توضع إشارة بيع السيارة على سطحها وعملية البيع تتم داخل محله، أيضا إستثمرت بعض محطات الوقود بنفس الطريقة كل الأماكن بالقرب منها، الأمر الذي دفع أحد المخاتير إلى ركن سيارات للبيع أمام مكتبه في المشرفية.

الأرصفة مكبات للخردة
هذا بالنسبة للسيارات المعروضة للبيع والتي تُحَرَّك من مكان ركنها من حين لآخر، أما السيارات المعطلة أو" الخردة " بتعبير آخر، فقد وضعت إلى جانب الرصيف أيضا، وعرضت للبيع، بمظهر سيء يغطيها الغبار السميك نتيجة طول مدة وضعها في الشارع من دون تحريكها من مكانها، ما يحوّل الرصيف إلى مكب للخردة والنفايات بدل أن يكون ممرا للمشاة.
يستغل العديد من المواطنين فترات العمل في البنى التحتية وتحديداً عند جسر المشرفية - الغبيري ليركنوا سيارتهم للبيع ولو بشكل يومي، وفيما لا يكترث آخرون بأي مخالفة، يركنون سيارتهم للبيع في أماكن يحظر التوقف فيها، عكس السير أو على الأكواع المغلقة، وإما "خط ثاني"، ولا شيء يردعهم.

أسباب ودوافع مختلفة
يشرح سميح الذي إتصلنا به لشراء سيارة نيسان وضعها أمام أحد المطاعم على أتوستراد السيد هادي أنها "مركونة منذ أكثر من شهر، وحتى الان لم يدفع أحد السعر المناسب لبيعها"، وعند سؤالنا إذا كان يحق له أن يضعها على الرصيف، أجاب:" عندي شقة بنفس البناية وفي مكان على الرصيف ..فبوقفها مثل ما عامل غيري"
أبو علي وضع أكثر من سيارة تحت الجسر في الحارة يعرضها للبيع، لا يؤمن بالمعارض،" بيفكوا منها القطع يلي بدون ياها وبيتحكموا بسعرها، هون أحسن وأضمن وبيبقوا قدام عيوني"، مؤكدا أن عملية البيع أسرع وأضمن، حتى أنه يرفض فكرة الإعلانات في المجلات التجارية المختصة، معتبرا أنه يحق له ركن سياراته ما دامت لا تشكل عائقا أمام حركة المرور، لافتا إلا أنه لا يقبل بقطع أرزاق الناس فلا يضعها أمام المحال التجارية.

المهنة المتاحة
تجارة السيارات في لبنان ما تزال المهنة الأيسر للجميع ، فيكفي أن تمتلك رأس المال أو أن تكون على علاقة بمغترب يرسل إليك سيارات للبيع، فلا كلفة تشغيلية ولا ضرائب ولا مالية تلاحق هؤلاء، فالربح هنا لا يحمل معه كثيرا من المصاريف والأعباء.. فالطريق العام معرض مجانيّ والنتيجة مضمونة، يقصده كثيرٌ من المواطنين أثناء تنقلهم اليوميّ.
جمال يأتي من بلدة شحيم في إقليم الخروب، "يتفتل" في الضاحية يبحث عن سيارات مناسبة السعر، يشتريها ليعرضها في بلدته بعد أن يعمل على تحسين شكلها قليلا، ثم يبيعها بسعر أفضل،" التجارة تتطلب التوفير، والمعارض تشفط الربح من البائع، لهذا يلجأ كثيرون لركن سياراتهم في الشارع، وهذه الظاهرة أيضا موجودة في المناطق والضيع". معتبرا أنها أسهل وسيلة للبيع والشراء، فيحضر صاحب السيارة إلى مكان ركنها ويتفاوض البائع والمشتري على السعر المناسب، فإما تتم البيعة وإما تبقى السيارة تسجل أياما إضافية من المخالفة المشروعة بنظرهم.

أعباء جديدة للمؤسسات
يحرص العديد من المؤسسات على حقها في بقاء الرصيف أمامها فارغا، إعتبارا لحق الزبون في أن يجد مكانا مريحا له إذا أراد التوجه إليها، وبالتالي تخصص موظفا يجلس أمام المحل أشبه "بالفاليه بارك" يحدد إذا كان بإمكان السيارة الوقوف أم لا، وهذا يتطلب مشقة وعملا جديدا في نطاق المؤسسة كما يوضح مدير أحد المصارف في المشرفية، ، معتبرا أن عدم وجود مكان مناسب لركن السيارة يربك الزبون ويعيق عمله مع البنك.

آثار ونتائج
يتذمر العديد من المواطنين من هذا الوضع، فحسن يطالب بوضع عدادات الوقوف كسائر المدن اللبنانية التي تنظم هذه الظاهرة وتحلها بشكل جذري كما يقول، فيما ينزعج عوّاد من منظر السيارات أمام منزله في الغبيري، " أحيان بصف بعيد عن البيت عشر دقايق، الرياضة منيحة، بس بلا غراض ومش كل يوم".

إجراءات البلديات
يؤكد رئيس بلدية الغبيري محمد الخنسا، "أن ركن السيارات في الشوارع والأحياء عادة لبنانية قديمة، والبلدية تعمل على التخفيف من حدتها بشكل ملحوظ بحيث قسمت عملها إلى مربعات لكل منطقة، منطقة بئر حسن تقريبا، أصبحت شبه خالية من هذه الظاهرة، بحيث تم مصادرة أكثر من مئة سيارة، منها ما إسترجعها أصحابها بعد دفع الغرامات ومنها ما فرز للتلف في مرآب الشحرور قرب حسينية البرجاوي".
تواجه البلديات حاليا مشكلة أماكن الحجز، المهندس أحمد حاطوم نائب رئيس بلدية حارة حريك، يشرح أنه بعد مراجعة وزارة الداخلية بخصوص أماكن حجز السيارات " تمّ إفادتنا بعدم وجود مرائب تحت حراسة وعهدة قوى الأمن الداخلي ضمن نطاق سرية الضاحية ، إنّما يوجد مرائب عائدة لأشخاص معينين بصفة حراس قضائيين. وعلى سبيل المثال مرآب رزق ومرآب شحرور. وتقوم البلدية حالياً بحجز السيارات في مرآب رزق وعلى مسؤولية أصحابه وتحت إشراف القوى الأمنية. مؤكدا أنه خلال العام الماضي 2011 قامت البلدية بحجز حوالي خمسين سيارة وخلال العام 2012 تمّ حجز أربع عشرة سيارة.
اما عن كيفية الحجز فيوضح حاطوم أن عناصر الشرطة في البلدية تقوم بلصق إنذار على زجاج السيارات المعروضة للبيع أو المعطلة والخردة لإزالتها من مكانها خلال مدة ثماني وأربعين ساعة. وفي حال عدم إزالتها تقوم البلدية برفع السيارات وحجزها إلى المرآب المخصّص. كما يسمح للبلدية بتجميع المركبات والسيارات المهملة وأنقاضها وهياكلها وأجزائها في أملاكها الخاصة ومشاعاتها أو في عقارات تستأجرها، ريثما يتسنّى بيعها، حيث يمنع كذلك طرحها على عقارات خاصة متاخمة للأوتوسترادات والطرق الدولية والرئيسية أو المناطق المصنَّفة مناطق سكنية، وفيما تعاني بلدية الغبيري من هذه المشكلة في أماكن الحجز يشير رئيس البلدية ابو سعيد الخنسا أنهم بصدد إنشاء مرآب جديد في منطقة صبرا شارف على الإنتهاء بعد تأمين الأرض والتجهيزات الخاصة.
ويضيف الخنسا: أنه خلال فصل الصيف سيتم العمل على تنظيف منطقة الشياح ومحاولة تقليص أكبر عدد من السيارات مع وضع إنذارات مسبقة للمواطنين حتى لا تحجز السيارة وتتعرض، إضافة إلى قيمة الظبط التي يحددها القاضي، إلى ضريبة وقوف يومية بقيمة خمسة الآلاف ليرة لبنانية.
يجمع كل من رئيس بلدية الغبيري محمد الخنسا ونائب رئيس بلدية الحارة أحمد حاطوم أن عدادات الوقوف ليست الحلّ الأمثل لهذه الظاهرة، فمن وجهة نظرهما أن "النظام المعتمد لعدّدات الوقوف في بيروت غير قانوني ويعتريه الكثير من الثغرات".
أزمة الوقوف في الضاحية لا تزال كما هي، كما زحمة السير وجسور المشاة والعديد من المشكلات الأخرى، والحلول النظرية لا تسمن و لا تغني، حال أصحاب المحلات لن يتغير، وذهنية ملكية الشارع تزداد كلما ضاقت مساحته، والسيارات المركونة بشكل عشوائي سيزيد من حرارة المشاحنات كلما إشتدت حرارة الصيف، هكذا هي مشاكل الضاحية الجنوبية دوامة متلاصقة الدوائر لا تحل واحدة بمعزل عن الأخرى.
كادر: تجدر الإشارة إلى أن إتحاد بلديات الضاحية قام في عام 2006 وبالتعاون مع المجموعة التقنية المتقدمة للمرور بإجراء دراسة لحركة المرور بالضاحية بيَّنت العديد من الثغرات: "ضيق في الطرقات وكونها ذات اتجاهين لا اتجاه واحد، بالإضافة إلى مشكلة الأرصفة وما تخلفه من أزمة مشاة تؤثر سلبا على سلامتهم الشخصية كمشاة من جهة وعلى إعاقة حركة السير من جهة أخرى إضافة إلى أزمة مواقف السيارات، والدراجات النارية. كل هذه المشاكل بحسب الدراسة تسبب ازدحامات سير خانقة في شوارع الضاحية الجنوبية.
 

 

السابق
ميقاتي: ملزمون إجراء الانتخابات وتسمية اعضاء هيئة الاشراف ضمن المهلة الزمنية
التالي
ايران تهزأ بتصريح نتنياهو الأخير