فياض: الأرثوذكسي تطييف ضد الطائفية

يُنصت عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض إلى الاقتراحات الانتخابية المختلطة التي تتداولها اللجنة الفرعية. يُعطي موقفاً تقنياً كلما استدعت الحاجة، يجادل بشأن هذا التفضيل أو ذاك ولا يبالي باتهام خصومه له بأنه يعرقل عمل اللجنة بعدم تقديم اقتراح للنقاش.
يعتبر فياض أنّ أي مشروع يتضمّن النسبية جزئياً أو كلياً هو مشروع قابل للبحث. يبدو متحمّساً خلال الجلسات للاقتراح المقدّم من زميله علي بزي حول المناصفة بين الأكثري والنسبي، إلا أن الأولوية بالنسبة له تبقى دائماً «ما يريده الشريك المسيحي».
من هنا، وبعيداً عن السعي للتوافق، يرتاح فياض لحصول مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» على أعلى نسبة من أصوات النواب، فإنه لا يجد نفسه مضطراً «لرمي ورقة جديدة، قد تشكل سبباً إضافياً لتأخير البت بقانون الانتخابات المنتظر».
يقول النائب عن قضاء مرجعيون إن رؤيته تجاه أي مشروع توافقي ستتبلور في مجرى النقاش، مؤكداً الانفتاح على الطروحات المختلفة، خاصة أن «مروحة الأفكار واسعة، ولا نريد أن تتحوّل اللجنة إلى سوق انتخابية مفتوحة». يعتقد أن موقف «حزب الله» هذا يوسّع هامش التلاقي لأنه يسمح بعدم التمترس خلف مشروع نهائي.
لا يؤثر حديث «المستقبل» عن رفض النسبية في ظل السلاح على ممثل «حزب الله» في اللجنة الفرعية. يبدو واثقاً أن «المستقبل» يعرف قبل غيره أن هذه المعادلة غير صحيحة. يذكّر بما قاله السيد حسن نصرالله عن تأثير أكبر للسلاح وفق النظام الأكثري، ويرى في «حجة المستقبل» محاولة للهروب من واقعه المأزوم في طائفته، إضافة إلى إصراره على الاستحواذ على جزء من التمثيل المسيحي. هاتان النقطتان، إضافة إلى السعي لإعطاء الأغلبية إلى «14 آذار» يجد فيهما فياض غلافاً لكل المواقف التي يطلقها «المستقبل» من القانون الانتخابي.
يحلو لنائب «حزب الله» العودة، كلما سنحت له الفرصة، إلى النقاش النظري، مستفيداً من خبرته في مجال التدريس الجامعي. يقول إن المشكلة في الديموقراطية الأكثرية أنها قد تنتج سلطوية جماهيرية عبر الانتخاب المباشر أو عبر الرأي العام، أو أنها تستعمل لممارسة الهيمنة والإقصاء على الأقليات.
يحمل فياض في جعبته مثالين عن مساوئ النظام الأكثري: الأول واقعي يأتي من ناحية صربيا حيث استند القوميون المتشدّدون بقيادة ميلوزوفيتش على أكثرية مرموقة في المجتمع الصربي لممارسة عملية تطهير ضد الأقلية البوسنية، ما أدى إلى إبادة المعنى الحقيقي للديمواقراطية، والثاني افتراضي ينطلق من تسلم الأكثرية السوداء للسلطة في جنوب إفريقيا. إذ يسأل فياض هل تبيح لهم أكثريتهم الهيمنة على الأقلية البيضاء أم لا بدّ من حماية التنوّع واحترام الاختلاف في إطار المشاركة بهدف بلوغ الاستقرار؟
إسقاط المثالين على الواقع اللبناني، يعني أن النظام الأكثري يتيح القيام بتطهير سياسي للقوى الأقل نفوذاًَ.
يخلص فياض في سرده النظري إلى أن النظام النسبي هو الطريق الوحيد إلى الإصلاح السياسي وتطوير النظام السياسي، في ظل انسداد الطرق الأخرى وعلى رأسها إلغاء الطائفية السياسية وحال الانسداد في تجديد الطبقة السياسية.

النسبية تفقدنا بعض نفوذنا

وإذا كانت المعارضة تتهم «حزب الله» بسعيه إلى النسبية للحصول على الأغلبية، فإن «حزب الله» يؤكد أن أولويته في دعم النظام النسبي مختلفة عن مبدأ الربح والخسارة. يقول فياض إن «النظام النسبي، ربما يفقد الحزب بعضاً من نفوذه، حتى أنه ربما ينتج ثلاثية شيعية بدلاً من الثنائية، إلا أن قرار الحزب حاسم في عدم الاكتراث بهذه الخسارة المحتملة إذا كانت هي الطريق الوحيد لتطوير الواقع السياسي وتجديد الطبقة السياسية وفتح الباب أمام إصلاح النظام السياسي بما يساعد على رفع منسوب الاستقرار السياسي في لبنان».
بعد هذه المطالعة، يعتبر فياض أن «مشلكتنا مع الفريق الآخر، هي في أحد جوانبها مشكلة فكرية».. ليس هذا فقط، يضيف: من يرفضون النسبية هم تقليديون مهما تظللوا بالشكل «المودرن».
يُكمل فياض هجومه على المعارضة بالإشارة إلى أن هؤلاء، في سبيل مصالح فئوية، يعيقون الإصلاح والتقدم والاستقرار في بنية النظام السياسي.

موقفنا من «الأرثوذكسي» هو التزام

عندما علا الصوت بين فياض والنائب أحمد فتفت على خلفية إشارة الأخير إلى أن الموقف الحقيقي لفياض هو موقف معارض لمشروع «اللقاء الأرثوذكسي»، بدا فياض حينها مرتبكاً. أوحى ارتباكه أنه إقرار بأن التزامه بالمشروع هو التزام سياسي بغض النظر عن رأيه الشخصي.
لا يُنكر فياض أهمية الالتزام السياسي مع الحليف المسيحي في حسم خيار «حزب الله» الانتخابي، إلا أنه يذكر أيضاً أن «صيغة «الأرثوذكسي» تنطوي على النسبية التي نريد إدخالها إلى واقع الانتخابات اللبنانية».
لموافقة الحزب على «الأرثوذكسي» بعد أعمق بالنسبة لفياض. يدعو بداية إلى الاعتراف أن ثمة مشكلة أساسية تواجه لبنان هي مشكلة التمثيل المسيحي. ويضيف: من منطلق الشراكة علينا أن نتعاون جميعاً لحلها. وإذ يدرج فياض هذه المشكلة في سياق أعم يتعلق بوضع المسيحيين في المنطقة، فهو يرى فيها حافزاً إضافياً يدفع لتحسين وضع المسيحيين في لبنان ومساعدتهم على التشبث ببقائهم، وهو ما قد يتحول إلى مؤشر عام لتحسين وضع المسيحيين في المنطقة العربية.
أهمية هذا الوجود، تكمن بالنسبة لفياض، في تسهيله مواجهة الثنائية الصراعية بين المسلمين والتي يسعى كثيرون لافتعالها وتكريسها.
يعود فياض مجدداً إلى السياق اللبناني من الأزمة في المنطقة، يقول إن صيغة «اللقاء الارثوذكسي» هي، بهذا المعنى، صيغة «تطييف ضد الطائفية» لأنها ستنتج مجلساً نيابياً يعتبره المسيحيون لأول مرة مجلساً ممثلاً بشكل كامل للمسيحيين وللطوائف الأخرى، وهو ما يعطيه قوة أن يكون تأسيساً ويفتح الطريق على صيغة ما لإصلاح النظام السياسي.

«أيّها الشركاء في الوطن»

انطلاقاً من القراءة السابقة، يتوجه فياض إلى كل «الشركاء في الوطن» بالقول: دعونا نعطِ المسيحيين هذه الفرصة التي تستحق فعلاً المغامرة.
لا يفهم ممثل «حزب الله»، الذي يلتقي ممثل تيار «المستقبل» على الطاولة نفسها، بوتيرة شبه يومية، موقف غريمه، بالرغم من أن عدد جلسات اللجنة الفرعية تخطى العشرين جلسة. يقول فياض: يرفض تيار «المستقبل» المشروع «الأرثوذكسي» تحت عنوان العيش المشترك ورفض الفرز الطائفي ثم يذهب إلى الدائرة الصغرى التي تقلل التفاعل الطائفي بدل أن يذهب إلى الدوائر الكبرى التي تتيح هذا التفاعل وإلى النسبية التي تؤمن صحة التمثيل وتحمي الأقليات.
يحلو لفياض توصيف المرحلة الثالثة من عمل اللجنة الفرعية بأنها مرحلة الأشغال الشاقة، «لأن على اللجنة أن تحفر في صخر المواقف المتباعدة». لذلك، فهو ما يزال حائراً «كيف يمكن أن نجد صيغة لنظام انتخابي يستجيب لمطالب القوى المسيحية في المناصفة ويكون بديلاً عن صيغة اللقاء الأرثوذكسي».
وبالرغم من تأكيده مراراً أن هناك بيئة نقاش إيجابية ومحطات تقاطع عديدة بين الأطراف، إلا أنه يشير إلى أن المسار العام ما يزال غامضاًَ. ومع ذلك، يقول فياض: إذا أردنا إجراء الانتخابات في موعدها فيجب أن نخوض فرصة التوافق جدياً، أما إذا تعذر ذلك فلا بد من الانتقال إلى معادلة إقرار قانون انتخاب بأغلبية نيابية. تلك المعادلة، يجب أن تؤدي، بحسب فياض، إلى تراجع مستوى القلق لدى اللبنانيين… ببساطة لأن «عدم ولادة التوافق لا يعني نهاية المطاف بل يعني الانتقال إلى مسار مختلف من الديموقراطية».  

السابق
الأدب العربي خارج الوطن العربي
التالي
حزب الله ينجو من مخطط العميل خليل